للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والنار، والمؤمنين والكفار، مظاهر لأوصاف الجمال والجلال، ولا يظهر لأحد وجه تخصيص كلّ بكلّ، مع العلم بأن أحدهما من باب العدل، والآخر من باب الفضل، و {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣].

(وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا) بكسر الميم؛ أي: ما يملؤها ممن كان أهلًا لكلّ واحدة منكما، (فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللهُ تبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ) وفي الرواية الآتية: "قدمه"، مذهب السلف إثبات ما جاء عن الله -سبحانه وتعالى-، أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصفات؛ كالرجل، والقَدَم، مع تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، وأما كثير ممن أتى بعدهم فيخوضون في التأويل، ويتكلّفون ما لا علم لهم به، والحقّ ما مضى عليه السلف، وسيأتي مزيد بسط للبحث في المسألة الثالثة -إن شاء الله تعالى-.

(تَقُولُ)؛ أي: النار، والجملة استئناف، بيان، أو حال، وإلا فكان الظاهر أن يقال: فتقول (١): (قَطْ قَطْ قَطْ) قال النوويّ: فيه ثلاث لغات: بإسكان الطاء فيهما، وبكسرها منونةً، وغير منونة، وفىِ "القاموس": إذا كان قط بمعنى حَسْب فقط، كعَنْ، وقَطٍ منونًا مجرورًا، فاقتصاره عليهما مشعر بأن الكسر مع غير التنوين ضعيف، قاله القاري (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما نقله القاري عن "القاموس" ليس محرّرًا، وعبارته: وإذا كانت بمعنَى حَسْبُ فقط كعَنْ، وقَطٍ مُنَوَّنًا مجرورًا، وقَطِي، وإذا كان اسمَ فِعْلٍ بمعنَى يكفي، فَتُزادُ نونُ الوِقَايَةِ، ويقالُ: قَطْنِي، ويقالُ: قَطْكَ؛ أي: كفاكَ، وقَطِي؛ أي: كفاني، ومنهم من يقولُ: قَطْ عبدَ اللهِ دِرِهَمٌ، فَينْصِبُونَ بها، وقد تَدْخُلُ النونُ فيها، ويُنْصَبُ بها، فتقولُ: قَطْنَ عبدَ اللهِ دِرْهَمٌ، وفي "المُوعَبِ": قَطْ عبدِ اللهِ دِرْهَمٌ، يَتْرُكُونَ الطاءَ مَوقوفةً، ويَجُرُّونَ بها، وقال أهْلُ البَصْرَةِ، وهو الصوابُ على مَعْنَى: حَسْبُ زيدٍ، وكَفْيُ زيدٍ دِرْهَمٌ، انتهت عبارة "القاموس" (٣).


(١) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.
(٣) "القاموس المحيط" ص ١٠٦٩.