للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على الأول؛ لأنَّه يكون معنى الضعفاء: معنى العجزة المذكورين بعدُ. و"سقطهم" -بفتح السين، والقاف-: جمع ساقط، وهو النازل القَدْر، وهو الذي عُبّر عنه بأنه لا يؤبه له، وأصله من سَقْط المتاع: وهو رديؤه.

و"عجزهم" قال القاضي: هو بفتح العين والجيم: جَمْع عاجز.

قلت (١): ويلزمه على ذلك أن يكون بالتاء، ككاتب وكتبة، وحاسب وحسبة، وسقوط التاء في مثل هذا الجمع نادر، وإنما يُسقطونها إذا سلكوا بالجمع مسلك اسم الجنس، كما فعلوا ذلك في سقطهم، وصواب هذا اللفظ أن يكون عُجَّزهم بضم العين، وتشديد الجيم، كنحو شاهد وشُهَّد، وكذلك أذكر أني قرأته.

و"غَرْثهم": بفتح الغين المعجمة، والثاء المثلثة: جمع غرثان، وهو الجيعان، والغَرْث: الجوع، وقد رواه الطبريّ: "غِرَّتهم": بكسر الغين وبالتاء باثنتين فوقها، وتشديد الراء؛ أي: غَفَلتهم، وأهل الْبَلَه منهم، كما قال في الحديث الآخر: "أكثر أهل الجنة الْبُلْهُ"؛ يعني به: عامة أهل الإيمان الذين لم يتفطّنوا للشُّبَهِ، ولم توسوس لهم الشياطين بشيء من ذلك، فهم صحاح العقائد، ثابتو الإيمان، وهم أكثر المؤمنين، وأما العارفون، والعلماء، والحكماء، فهم الأقلّ، وهم أصحاب الدرجات العلى، والمنازل الرفيعة. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (٢)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم ..

(قَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي) ابتدأ بها للحديث القدسيّ: "سبقت رحمتي غضبي"، وجبرًا لها، حيث انكسر بالها بما أوثرت به من الضعفاء، وفي "شرح السُّنَّة": سُميت الجنة رحمةً؛ لأن بها يظهر رحمة الله تعالى، كما قال: "أرحم بك من أشاء من عبادي"، وإلا فرحمة الله تعالى من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا، ليست لله صفة حادثة، ولا اسم حادث، فهو قديم بجميع أسمائه، وصفاته جلّ جلاله، وتقدست أسماؤه. (أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ) الله -عز وجل-: (لِلنَّارِ: إِنَّمَا أنتِ عَذَابِي)؛ أي: سبب عقوبتي، ومنشأ سخطي، وغضبي، (أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي) خلاصة القول: أن الجنة


(١) القائل هو القرطبيّ.
(٢) "المفهم" ٧/ ١٩٢ - ١٩٣.