قال قبيصة، راوي الخبر أنهم من ارتدّ بعده -صلى الله عليه وسلم-، ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما؛ لأنها كرامة، يظهر بها عمل المسلم، والمرتدّ قد حبط عمله، فقد يكون عرفهم بأعيانهم، لا بصفاتهم، باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم، ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضًا من كان في زمنه من المنافقين، وقد ثبت في حديث الشفاعة في "الصحيح": "وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها"، فدلّ على أنهم يُحشرون مع المؤمنين، فيعرف أعيانهم، ولو لم تكن لهم تلك السيما، فمن عرف صورته ناداه، مستصحبًا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا.
وأما دخول أصحاب البدع في ذلك، فاستُبعد؛ لتعبيره في الخبر بقوله:"أصحابي"، وأصحاب البدع إنما حَدَثوا بعده.
وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعمّ. واستُبعد أيضًا أنه لا يقال للمسلم، ولو كان مبتدعًا:"سُحْقًا". وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قُضي عليه بالتعذيب على معصية، ثم ينجو بالشفاعة، فيكون قوله:"سحقًا" تسليما لأمر الله، مع بقاء الرجاء، وكذا القول في أصحاب الكبائر.
وقال البيضاويّ: ليس قوله: "مرتدّين" نصًّا في كونهم ارتدّوا عن الإسلام، بل يَحْتمِل ذلك، ويَحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدّون عن الاستقامة، يبدّلون الأعمال الصالحة بالسيئة. انتهى.
وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن، عن أبي سعيد -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر حديثًا، فقال:"يا أيها الناس إني فرطكم على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان، وقال آخر: أنا فلان ابن فلان ابن فلان، فأقول: أما النسب، فقد عرفته، ولعلكم أحدثتم بعدي، وارتددتم". ولأحمد، والبزّار نحوه من حديث جابر -رضي الله عنه-، ذكره في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما تقدّم من تفسير قبيصة أَولى بحمل الحديث عليه؛ لكونه راوي الخبر، كما رجحه عياض، والباجيّ