ما ورد في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في الباب:"حفاة، عراة، مشاة"، قال: وقوله: "واثنان على بعير، وثلاثة على بعير إلخ" يريد أنهم يعتقبون البعير الواحد، يركب بعضٌ، ويمشي بعض.
قال الحافظ -رحمه الله-: وإنما لم يذكر الخمسة، والستّة، إلى العشرة، إيجازًا، واكتفاء بما ذكر من الأعداد، مع أن الاعتقاب ليس مجزومًا به، ولا مانع أن يجعل الله في البعير ما يقوى به على حمل العشرة.
ومال الْحَلِيميّ إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور. وجزم به الغزاليّ.
وقال الإسماعيليّ: ظاهر حديث أبي هريرة يخالف حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المذكور في الباب أنهم يُحشرون حُفَاة، عُرَاة، مُشَاة، قال: ويُجمع بينهما بأن الحشر يعبّر به عن النشر؛ لاتصاله به، وهو إخراج الخلق من القبور حفاة، عراة، فيساقون، ويُجمعون إلى الموقف للحساب، فحينئذ يحشر المتقون رُكبانًا على الإبل.
وجمع غيره بأنهم يخرجون من القبور بالوصف الذي في حديث ابن عباس، ثم يفترق حالهم من ثَمّ إلى الموقف على ما في حديث أبي هريرة، ويؤيده حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه- (١).
وصوّب عياض ما ذهب إليه الخطابيّ، وقوّاه بحديث حذيفة بن أَسِيد، وبقوله في آخر حديث الباب:"تقيل معهم، وتبيت، وتصبح، وتمسي"، فإن هذه الأوصاف مختصّة بالدنيا.
وقال بعض شرّاح "المصابيح": حَمْله على الحشر من القبور أقوى من أوجه:
(١) أشار به إلى ما أخرجه النسائيّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنِي: "أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ ثَلَاثَةَ أَفْوَاجٍ: فَوْجٌ رَاكِبِينَ، طَاعِمِينَ، كَاسِينَ، وَفَوْجٌ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ، وَفَوْجٌ يَمْشُونَ، وَيَسْعَوْنَ، يُلْقِي اللهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ، فَلَا يَبْقَى، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ الْحَدِيقَةُ، يُعْطِيهَا بِذَاتِ الْقَتَبِ، لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا".