أحدها: أن الحشر إذا أُطلق في عُرف الشرع إنما يراد به الحشر من القبور، ما لم يخصّه دليل.
ثانيها: أن هذا التقسيم المذكور في الخبر لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام؛ لأن المهاجر لا بدّ أن يكون راغبًا، أو راهبًا، أو جامعًا بين الصفتين، فأما أن يكون راغبًا راهبًا فقط، وتكون هذه طريقة واحدة، لا ثاني لها من جنسها فلا.
ثالثها: حشر البقيّة على ما ذكر، وإلجاء النار لهم إلى تلك الجهة، وملازمتها حتى لا تفارقهم قول لم يرد به التوقيف، وليس لنا أن نحكم بتسليط النار في الدنيا على أهل الشقاوة في هذه الدار من غير توقيف.
رابعها: أن الحديث يفسّر بعضه بعضًا، وقد وقع في الحسان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف". وأخرجه البيهقيّ من وجه آخر عن عليّ بن زيد، عن أوس بن أبي أوس، عن أبي هريرة، بلفظ:"ثلاثًا على الدوابّ، وثلاثًا يَنسِلُون على أقدامهم، وثلاثًا على وجوههم". قال: ونرى هذا التقسيم الذي وقع في هذا الحديث نظير التقسيم الذي في تفسير الواقعة في قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧)} الآيات [الواقعة: ٧].
فقوله:"راغبين راهبين" يريد به عوامّ المؤمنين، وهم من خَلَطَ عملًا صالحًا، وآخر سيّئًا، فيتردّدون بين الخوف والرجاء، يخافون عاقبة سيئآتهم، ويرجون رحمة الله بإيمانهم، وهؤلآء أصحاب الميمنة. وقوله:"واثنان على بعير. . . إلخ" يريد به السابقين، وهم أفاضل المؤمنين، يُحشرون ركبانًا. وقوله:"وتَحشر بقيتهم النار" يريد به أصحاب المشأمة، وركوب السابقين في الحديث يَحْتَمِل الحمل دفعة واحدة؛ تنبيهًا على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من الْبِعْرَان. ويَحتمل أن يراد به التعاقب.
قال الخطابيّ: إنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة، كالأنبياء؛ ليقع الامتياز بين النبيّ ومن دونه من السابقين في المراكب؛ كما وقع في المراتب. انتهى مُلَخّصًا.