والجواب عن الاعتراض الثاني: أن التقسيم المذكور في آيات "سورة الواقعة" لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث، فإن الذي في الحديث ورد على القصد من الخلاص من الفتنة، فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر، ويسرة في الزاد، راغبًا فيما يستقبله، راهبًا فيما يستدبره، وهؤلاء هم الصنف الأول في الحديث، ومن توانى حتى قلّ الظهر، وضاق عن أن يسعهم لركوبهم اشتركوا، وركبوا عقبةً، فيحصل اشتراك الاثنين في البعير الواحد، وكذا الثلاثة، ويمكنهم كل من الأمرين، وأما الأربعة في الواحد، فالظاهر من حالهم التعاقب، وقد يمكنهم إذا كانوا خفافًا، أو أطفالًا، وأما العشرة فبالتعاقب، وسكت عما فوقها إشارة إلى أنها المنتهى في ذلك، وعما بينها وبين الأربعة؛ إيجازًا واختصارًا، وهؤلاء هم الصنف الثاني في الحديث.
وأما الصنف الثالث فعبّر عنه بقوله:"وتحشر بقيتهم النار" إشارةً إلى أنهم عجزوا عن تحصيل ما يركبونه، ولم يقع في الحديث بيان حالهم، بل يَحتمل أنهم يمشون، أو يسحبون، فرارًا من النار التي تحشرهم، ويؤيد ذلك ما وقع في آخر حديث أبي ذرّ الذي تقدمت الإشارة إليه في كلام المعترض، وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين، فقال:"يلقي الله الآفة على الظهر، حتى لا يبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب"؛ أي: يشتري الناقة المسنّة لأجل كونها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه، وعزّة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائق بأحوال الدنيا، ومؤكّد لِمَا ذهب إليه الخطابيّ، ويتنزّل على وفق حديث الباب -يعني: من "المصابيح"-، وهو أن قوله:"فوج طاعمين كاسين راكبين" موافق لقوله: "راغبين راهبين". وقوله:"وفوج يمشون" موافق للصنف الذين يتعاقبون على البعير، فإن صفة المشي لازمة لهم، وأما الصنف الذين تحشرهم النار، فهم الذين تسحبهم الملائكة.
والجواب عن الاعتراض الثالث: أنه تبيّن من شواهد الحديث أنه ليس المراد بالنار نار الآخرة، وإنما هي نار تخرج في الدنيا، أنذر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بخروجها، وذكر كيفية ما تفعل في الأحاديث المذكورة.
والجواب عن الاعتراض الرابع: أن حديث أبي هريرة من رواية عليّ بن