وقوله:(وَإِنَّ اللهَ) تعالى (أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا)"أَنْ" هذه مفسِّرة؛ لِمَا في الإيحاء من معنى القول، و"تواضعوا" أمْر من التواضع، تفاعل من الضِّعَة بالكسر، وهي الذلّ، والهوان، والدناءة. (حَتَّى لَا يَفْخَرَ) متعلِّق بـ "أوحى"، وهو بفتح الخاء، من الفخر، وهو ادّعاء العظمة، والكبرياء والشرف؛ أي: كي لا يتعاظم (أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِيَ) بكسر الغين المعجمة؛ أي: ولا يظلم (أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) وفي الجمع بينهما إشعار بأن الفخر والبغي نتيجتا الكبر؛ لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق كل أحد، ولا ينقاد لأحد، قاله القاري (١).
وقال المناويّ -رحمه الله-: "إن الله أوحى إليّ"؛ أي: وحيَ إرسال، والوحي إعلام في خفاء، "أن تواضعوا" بخفض الجناح، وليْن الجانب، و"أن" مفسرة "حتى لا يفخر أحد منكم على أحد" بتعداد محاسنه كِبْرًا، ورَفْع قَدْر نفسه على الناس تَيْهًا، وعُجْبًا، قال ابن القيم -رحمه الله-: والتواضع انكسار القلب لله، وخَفْض جناح الذلّ والرحمة للخلق، حتى لا يرى له على أحد فضلًا، ولا يرى له عند أحد حقًّا، والفخر ادعاء العظمة.
وقال الطيبيّ -رحمه الله-: و"حتى" هنا بمعنى "كي"، و"لا يبغي" بالنصب عطفًا على "تواضعوا"؛ أي: لا يجور، ولا يتعدى أحد منكم على أحد، ولو ذميًّا، أو معاهَدًا، أو مؤمنًا، والبغي: مجاوزة الحدّ في الظلم.
قال الطيبيّ: المراد أن الفخر والبغي شحناء الكبير؛ لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق منزلته، فلا ينقاد لأحد.
وقال المجد ابن تيمية -رحمه الله-: نهى الله على لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم- عن نوعي الاستطالة على الخلق، وهي الفخر، والبغي؛ لأن المستطيل إن استطال بحقّ فقد افتخر، أو بغير حق فقد بغى، فلا يحل هذا ولا هذا، فإن كان الإنسان من طائفة فاضلة، كبني هاشم، أو غيرهم، فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه، والنظر إليها، فإنه مخطئ؛ إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص، فَرُبَّ