للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حبشيّ أفضل عند الله من جمهور قريش، ثم هذا النظر يوجب نقصه، وخروجه عن الفضل، فضلًا عن استعلائه بهذا، واستطالته به.

وأُخذ منه أنه يتأكد للشيخ التواضع مع طَلَبته، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)} [الشعراء: ٢١٥]، وإذا طُلب التواضع لمطلق الناس، فكيف لمن له حقّ الصحبة، وحرمة التودد، وصدق المحبة؟ لكن لا يتواضع معهم مع اعتقاد أنهم دونه، فقد قال ابن عطاء الله: من أثبت لنفسه تواضعًا فهو المتكبر حقًّا، فالتواضع لا يكون إلا عن رفعة مع عظمة، واقتدار، وليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع، بل الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع. انتهى (١).

وقوله: (وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ) فاعل "قال" ضمير مطر أيضًا.

وقوله: (فَقُلْتُ) هذا من كلام قتادة، يقول: فقلت لمطرّف بن عبد الله (فَيَكُونُ ذَلِكَ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أفيكون، ويحصل، ويقع هذا الأمر (يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟) كنية مطرّف، (قَالَ) مطرّف: (نَعَمْ) يوجد هؤلاء الضعفاء الذين لا زَبْر لهم، ويكتفون بالمحرّمات، ولا يطلبون لأنفسهم حلالًا، ثم أكّد ذلك بقوله: (واللهِ، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ)؛ أي: في أواخر أيام الجاهلية، والجاهليّة ما قبل الإسلام، (وَإِنَّ الرَّجُلَ) من أولئك الضعفاء (لَيَرْعَى) المواشي (عَلَى الْحَيِّ)؛ أي: القبيلة؛ سمُّوا بذلك؛ لأن بعضهم يحيا ببعض؛ أي: يتناصرون، ويتعاضدون. (مَا) نافية؛ أي: ليس (بِهِ) رغبة، وليس له أجر، (إِلَّا، وَليدَتُهُمْ)؛ أي: جاريتهم (يَطَؤُهَا)؛ أي: مقابل رعيه لهم.

وقال النوويّ -رحمه الله-: أبو عبد الله -يعني: في قوله: يا أبا عبد الله- هو مطرّف بن عبد الله، والقائل له قتادة، وقوله: "لقد أدركتهم في الجاهلية" لعله يريد أواخر أمر الجاهلية، وآثارهم، وإلا فمطرّف صغير عن إدراك زمن الجاهلية حقيقةً، وهو يعقل. انتهى (٢). وقال القاضي عياض -رحمه الله-: قوله: "لقد أدركتهم في الجاهليّة" دلّ على صحّة صحبة مطرّف؛ لإدراكه الجاهليّة، وإن


(١) "فيض القدير" ٢/ ٢١٧.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ٢٠٠.