للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): أنه يَستدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، قال ابن عبد البرّ: وهو أصحّ ما ذهب إليه في ذلك؛ لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئًا، وأثبت نقلًا من غيرها.

والمعنى عندي: أنها قد تكون على أفنية قبورها، لا على أنها لا تَرِيم، ولا تفارق أفنية القبور، بل هي كما قال مالك -رحمه الله-: إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت، وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دُفن الميت، لا تفارق ذلك، والله أعلم. انتهى (١).

٤ - (ومنها): أن الروح لا تفنى بفناء الجسد؛ لأن العرض لا يمكن إلا على الحيّ).

قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا الحديث، وما في معناه يدلّ على أن الموت ليس بعدم، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ومفارقة الروح للبدن.

وقال بعضهم: ومما يدلّ على حياة الروح، وأنها لا تفنى قوله -عز وجل-: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: ٤٢]، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): ما تقدّم من ذكر عرض المقعد على الميت في قبره واضح في الكافر، والمؤمن المخلص، أما المخلّط الذي له ذنوب هو مؤاخذ بها، غير معفوّ عنها، فماذا يُعرض عليه؟. قال وليّ الدين: الذي يظهر أن المعروض عليه مقعده من الجنة، وأما النار، فليس له بها مقعد مستقرّ، وإنما يدخلها لعارض، ليُنقّى، ويطهّر، ويُمحّص، ثم يدخل مقعده من الجنّة، نقيًّا، مخلصًا.

وذكر أبو العباس القرطبيّ في ذلك تردّدًا، فقال: وأما المؤمن المؤاخَذ بذنوبه، فله مقعدان، مقعد في النار زمن تعذيبه، ومقعد في الجنّة بعد إخراجه، فهذا يقتضي أن يُعرضا عليه بالغداة والعشيّ، إلا إن قلنا: إنه أراد بأهل الجنّة كلّ من يدخلها، كيفما كان، فلا يحتاج إلى ذلك التفسير، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ أخيرًا هو الأرجح، كما مال إليه وليّ الدين، كما مرّ آنفًا، والله تعالى أعلم.


(١) "الاستذكار" ٣/ ٨٩.