(المسألة الخامسة): قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه الله-: هذا إخبار عن غير الشهداء، فإن أرواحهم في حواصل طير، تسرح في الجنّة، وتأكل من ثمارها.
قال الحافظ وليّ الدين -رحمه الله-: هذا مبنيّ على أن عرض المقعد على الأرواح خاصّة، فلا يحتاج إلى عرضه عليها؛ لأنها في الجنة، وقد يقال: فائدة ذلك تبشيرها باستقرارها في الجنّة، مقترنة بجسدها في ذلك المحلّ المخصوص على التأبيد، وهذا قَدْر زائد على ما هي فيه، وأما إذا كان عرض المقعد على الأجساد، فلا مانع من أن الشهداء حينئذ كغيرهم؛ لأن الذي في الجنة إنما هو أرواحهم، وأما أجسادهم فهي في قبورهم، فتنعّم بعرض المقعد عليها بكرة وعشيًّا.
على أن ذلك قد ورد في أرواح المؤمنين مطلقًا، رواه النسائيّ، من حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال:"إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة، حتى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة". ورواه ابن ماجه بلفظ:"إن أرواح المؤمنين في طير خضر، يعلُقُ بشجر الجنة". وهو عند الترمذيّ بلفظ:"إن أرواح الشهداء". انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رحمه الله- أوّلَ الكتاب قال:
١ - (سَالِمُ) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدويّ، أبو عُمر، أو أبو عبد الله المدنيّ، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتًا، عابدًا فاضلًا، كان يُشَبَّه بأبيه في الهدي، والسمت، من كبار [٣] مات في آخر سنة (١٠٦) على الصحيح (ع) تقدم في "الإيمان" ١٤/ ١٦٢.