للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ)؛ أي: طلبنا أن نراه، (وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ البَصِرِ)؛ أي: قويّه نافذه، ومنه قوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢] (فَرَأَيْتُهُ)؛ أي: سبقت الناس في رؤيته؛ لكوني حديد البصر، (وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ)؛ أي: يقول (أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي)؛ يعني: أنه لم يوجد من يدّعي رؤية الهلال في ذلك الوقت إلا هو. (قَالَ) أنس (فَجَعَلْتُ)؛ أي: شرعت (أَقُولُ لِعُمَرَ) -رضي الله عنه- (أَمَا تَرَاهُ)؛ أي: أما ترى الهلال في موضع كذا وكذا، (فَجَعَلَ)؛ أي: فكان عمر (لَا يَرَاهُ، قَالَ) أنس: (يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ)؛ أي: سأرى الهلال، (وَ) الحال (أَنَا مُسْتَلقٍ)؛ أي: مضطجع بظهري (عَلَى فِرَاشِي) الظاهر أنه أراد أنه سيراه إذا كَبِر من غير مشقّة، بل وهو مضطجع على فراشه. (ثُمَّ أَنْشَأَ)؛ أي: بدأ عمر -رضي الله عنه- (يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ)؛ أي: عن شأن كفّار قريش الذين قُتلوا في معركة بدر الكبرى، وقوله: (فَقَالَ) تفسير لقوله: "أنشأ". (إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُرِينَا) بضمّ حرف المضارعة؛ أي: يُبصّرنا (مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرِ) جمع مَصْرَع، كمَقْعَد: محل الصَّرْع؛ أي: الطرح على الأرض، والمراد هنا: مواضع قَتْلهم؛ أي: المواضع التي قُتلوا فيها، (بِالأَمْسِ)؛ أي: أمس يوم القتل؛ يعني: اليوم الذي قبل يوم قتلهم. (يَقُولُ) -صلى الله عليه وسلم- ("هَذَا) مشيرًا إلى موضع معيّن، (مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ) أنس: (فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ)؛ أي: أرسل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو الله -عز وجل-، (مَا أَخْطَؤُوا الْحُدُودَ)؛ أي: المواضع المحدّدة، (الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أنها مصرعهم، وفي رواية النسائيّ: "مَا أَخْطَؤوا تِيكَ" باسم الإشارة للمؤنثة البعيدة؛ أي: تلك المواضع التي أشار إليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنها مصارعهم. (قَالَ) عمر: (فَجُعِلُوا فِي بئْرٍ) ببناء الفعل للمفعول، وفي الرواية الآتية: "ثم أَمَرَ بهم، فسُحِبُوا، فأُلْقُوا في قليب بدر"، وفي رواية بعدها: "فَأُلْقُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ"، والطويّ: هي البئر، وقوله: (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) جملة حاليّة من النائب عن الفاعل. (فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) وفي رواية النسائيّ: "فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-"، (حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ)؛ أي: إلى أن وصل إلى مواضع صَرْعهم، وهي البئر التي جُعلوا فيها، (فَقَالَ: "يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانِ بْنَ فُلَانٍ) برفع "فلان" الأول؛ لأنه نكرة مقصودة، وأما لفظة "ابن" فمنصوبة لا غير؛ لكونها مضافة، وقد أشار ابن مالك إلى هذا في "الخلاصة" حيث قال: