للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البخاريّ في "المغازي"، عن أبي طلحة: "أن نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقُذفوا في طَوِيّ من أطواء بدر، خبيثٍ، مُخبِثٍ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليومُ الثالثُ أمر براحلته، فشُدّ عليها رحلها، ثم مشى، واتّبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شَفَة الرَّكِيِّ، فجعل يناديهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم. . .". (فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: "يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ) وفي ذِكر أمية معهم نَظَر؛ لأنه لم يُلْقَ في القليب؛ لأنه كان ضَخْمًا، فانتَفَخ، فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيَّبه، وأجيب بأنه كان قريبًا من القليب، فنودي فيمن نودي؛ لكونه كان من رؤسائهم، قاله في "الفتح" (١).

(يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ) ووجه تخصيص هؤلاء بالخطاب؛ لأنه تقدم منهم من المعاندة العظيمة، فخاطبهم بذلك توبيخًا لهم (٢). (أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العذاب المهين (حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي) من النصر والظفر، (رَبِّي حَقًّا"، فَسَمِعَ عُمَرُ) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قَوْلَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-) هذا الذي قالها في التوبيخ لهم (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا) قال النوويّ -رحمه الله-: هكذا هو في عامّة النسخ المعتمدة: "كيف يسمعوا، وأنى يُجيبوا" من غير نون، وهي لغة صحيحة، وإن كانت قليلة الاستعمال، وسبق بيانها مرّات، ومنها الحديث السابق في "كتاب الإيمان": "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا". انتهى كلام النوويّ (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قد ذكر ابن مالك -رحمه الله- قاعدة حذف نون الرفع بلا ناصب، أو جازم في "الكافية الشافية"، حيث قال:

وَحَذْفُهَا فِي الرَّفْعِ قَبْلَ "نِي" أَتَى … وَالْفَكُّ وَالإِدْغَامُ أَيْضًا ثَبَتَا

وَدُونَ "نِي" فِي الرَّفْعِ حَذْفَهَا حَكَوْا … فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ وَمِمَّا قَدْ رَوَوْا

"أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي … وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِي"

وقوله: (وَقَدْ جَيَّفُوا) بفتح الجيم، وتشديد التحتانيّة؛ أي: أنتنوا،


(١) "الفتح" ٩/ ٤١.
(٢) "عمدة القاري" ١٧/ ٩٢.
(٣) "شرح النوويّ" ١٧/ ٢٠٧.