حيث قالت:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث"، فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر، والإعلان بالمعاصي.
قال الحافظ: الذي يناسب كلامه الأخير حديث أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم اللَّه بعقاب"، أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان.
وأما حديث ابن عمر في الباب، وحديث زينب بنت جحش فمتناسبان، وقد أخرجه مسلم عقبه، ويجمعهما أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي، وزاد حديث ابن عمر أن الطائع عند البعث يجازى بعمله، ومثله حديث عائشة مرفوعًا:"العجب أن ناسًا من أمتي يؤمّون هذا البيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم، فقلنا: يا رسول اللَّه إن الطريق قد تجمع الناس؟ قال: نعم، فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم اللَّه على نياتهم"، أخرجه مسلم.
وله من حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها- نحوه، ولفظه:"فقلت: يا رسول اللَّه، فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: يُخسف به معهم، ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته".
وله من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- رفعه:"يُبعث كل عبد على ما مات عليه".
وقال الداوديّ: معنى حديث ابن عمر: أن الأمم التي تعذَّب على الكفر، يكون بينهم أهل أسواقهم، ومن ليس منهم، فيصاب جميعهم بآجالهم، ثم يُبعثون على أعمالهم.
ويقال: إذا أراد اللَّه عذاب أمة أعقم نساءهم خمس عشرة سنة قبل أن يصابوا؛ لئلا يصاب الولدان الذين لم يَجْر عليهم القلم. انتهى.
قال الحافظ: وهذا ليس له أصل، وعموم حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- يردّه، وقد شوهدت السفينة ملأى من الرجال والنساء والأطفال، تغرق، فيهلكون جميعًا، ومثله الدار الكبيرة تُحرق، والرفقة الكثيرة تخرج عليها قطاع الطريق، فيهلكون جميعًا، أو أكثرهم، والبلد من بلاد المسلمين يهجمها الكفار، فيبذلون السيف في أهلها، وقد وقع ذلك من الخوارج قديمًا، ثم من القرامطة، ثم من الططر أخيرًا، واللَّه المستعان.