قال القاضي عياض: أورد مسلم حديث جابر: "يُبعث كل عبد على ما مات عليه" عقب حديث جابر أيضًا، رفعه:"لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه" يشير إلى أنه مفسِّر له، ثم أعقبه بحديث:"ثم بُعثوا على أعمالهم" مشيرًا إلى أنه وإن كان مفسِّرًا لِمَا قبله، لكنه ليس مقصورًا عليه، بل هو عام فيه وفي غيره، ويؤيده الحديث الذي ذكره بعده:"ثم يبعثهم اللَّه على نياتهم". انتهى ملخصًا.
والحاصل: أنه لا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب، أو العقاب، بل يجازى كل أحد بعمله على حسب نيته.
وجنح ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك إنما يقع بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقًّا، لا يرسل اللَّه عليهم العذاب، بل يدفع بهم العذاب، ويؤيده قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص: ٥٩]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} [الأنفال: ٣٣]، ويدل على تعميم العذاب لمن لم يَنْه عن المنكر، وإن لم يتعاطاه قوله تعالى:{فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النساء: ١٤٠](١)، واللَّه تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢٠/ ٧٢٠٦](٢٨٧٩)، و (البخاريّ) في "الفتن"(٧١٠٨)، و (أحمد) في "مسنده"(٢/ ٤٠)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٧٣١٥)، و (أبو يعلى) في "مسنده"(٩/ ٤٣٠)، و (تمّام الرازي) في "فوائده"(١/ ١٥٢)، و (الخطيب) في "تاريخه"(٦/ ٨٨ - ٨٩)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة"(٤٢٠٤)، واللَّه تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٦/ ٥٢٤ - ٥٢٦، "كتاب الفتن" رقم (٧١٠٨).