للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في أولها، فعلى هذا يستقيم الخبر، فإنَّ عبد اللَّه نازع يزيد لأول ما بلغته البيعة له عند موت معاوية، وداجاه (١)، شيئًا، فوجّه إليه يزيد أخاه عمرو بن الزبير؛ ليجيئه به، أو يقاتله، فظَفِر به عبد اللَّه بن الزبير، ومات في سجنه، وصلبه، ذكر ذلك الطبريّ وغيره، وذكر وفاة أم سلمة أيام يزيد: أبو عمر بن عبد البرّ.

قال القرطبيّ: هذا الحديث رواه عن أم سلمة: عبد اللَّه بن صفوان، من طريق صحيح في الأصل -يعني: صحيح مسلم- وفيه أيضًا عنه أنه رواه عن حفصة زوج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال الدارقطنيّ: والحديث عن أم سلمة، ومحفوظ عن حفصة، وعلى هذا فتكون كل واحدة منهما حدّثت به عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا اضطراب. انتهى (٢).

(فَقَالَتْ) أم سلمة -رضي اللَّه عنها-: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَعُوذُ عَائِذٌ)؛ أي: يعتصم، ويلجأ رجل من المسلمين، وفي حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- الآتي أنه رجل من قريش، (بِالْبَيْتِ) ببيت اللَّه الحرام؛ أي: الكعبة؛ لأنه صار عَلَمًا لها بالغلبة، قال في "الخلاصة":

وَقَدْ يَصِيرُ عَلَمًا بِالْغَلَبَهْ … مُضَافٌ أَوْ مَصْحُوبُ "أَلْ" كَـ "الْعَقَبَهْ"

(فَيُبْعَثُ) بالبناء للمفعول، (إِلَيْهِ بَعْثٌ) بفتح، فسكون: الجيش، تسمية بالمصدر، وجمعه: بُعُوثٌ (٣). (فَإِذَا كَانُوا)؛ أي: الجيش (بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ) البيداء: هي الأرض الملساء التي لا شيء فيها، وهي المفازة. قال النوويّ: وفي رواية: "ببيداء المدينة قال العلماء: كل أرض ملساء لا شيء بها، وبيداء المدينة: الشَّرَف الذي قُدّام ذي الحليفة؛ أي: إلى جهة مكة (٤).

(خُسِفَ بِهِمْ") بالبناء للمفعول، وإنما عبّر بصيغة الماضي، وإن كان الخسف لم يقع؛ لتحقّق وقوعه؛ يعني: أن اللَّه تعالى سيخسف بهم عقوبة لهم على ما أرادوا من الهجوم على الكعبة، وعلى من لجأ إليها، وقال الأبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأظهر أن هذا الخسف لم يقع، وأنّه لا بدّ منه؛ لوجوب صِدق خبره -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحاول بعضهم أن يُحمل هذا الحديث على من غزا عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما-،


(١) أي: ساتره بالعداوة، ولم يُبدها له.
(٢) "المفهم" ٧/ ٢٢٥ - ٢٢٦.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٥٢.
(٤) "شرح النوويّ" ١٨/ ٥.