وحَمَل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضَعُف عن القتال، أو قَصُر نظره عن معرفة صاحب الحقّ.
واتفق أهل السُّنَّة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عُرف المحقّ منهم؛ لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا اللَّه تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرين، وحَمَل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ، بل بمجرد طلب المُلك، ولا يَرِد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع عليّ -رضي اللَّه عنه-؛ لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع والمنع؛ احتياطًا لنفسه، ولمن نصحه.
قال الطبريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل، وكسر السيوف لَمَا أقيم حدّ، ولا أُبطل باطل، ولَوَجَد أهل الفسوق سبيلًا إلى ارتكاب المحرمات، من أَخْذ الأموال، وسَفْك الدماء، وسبي الحريم، بأن يحاربوهم، ويكفّ المسلمون أيديهم عنهم، بأن يقولوا: هذه فتنة، وقد نُهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الذي قاله الطبريّ تحقيقٌ نفيس جدًّا.
والحاصل: أن ما ذهب إليه الجمهور من وجوب نصر صاحب الحقّ الذي تبيّن أمره هو الحقّ والصواب، وإلا لفُتح باب الشرّ والفساد أمام الفسقة والفجرة، وهذا مخالف للشريعة الإسلاميّة التي شرعها اللَّه تعالى لصيانة النفس، والمال، والعِرض، والدِّين، فتنبّه، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
٦ - (ومنها): ما أورده العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- على السؤال والجواب، فقال:
منها: ما قيل في قوله: "أَنْصُر هذا الرجل" إن السؤال عن المكان، والجواب عن الفعل، فلا تطابق بينهما.