للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدائن الأبيض"، وَيحْتَمِل أن يكون مَثّلها الله تعالى له، فرآها، والأول أَولى. انتهى (١).

(وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ) بالبناء للمفعول، (لِي مِنْهَا) قال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: توهّم بعض الناس أن "مِنْ" في "منها" للتبعيض، وليس ذلك، كما توهّمه، بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ومعناه: أن الأرض زُويت لي جملتها مرّةً واحدةً، فرأيت مشارقها ومغاربها، ثم هي تُفتح لأمتي جزءًا فجزءًا حتى يصل مُلك أمتي إلى كلّ أجزائها.

قال القاري: أقول: ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن مُلك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض، فالمراد بالأرض أرض الإسلام، وإن ضمير "منها" راجع إليها على سبيل الاستخدام، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الخطابيّ هو الظاهر، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "إن أمتي سيبلغ ملكها إلخ": هذا الخبر قد وُجد مبرره، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ذلك من دلائل نبوته في وذلك أن مُلك أمته اتسه ع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق، مما وراء خراسان، والنهر، وكثير من بلاد الهند، والسند، والصغد، ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال، ولذلك لَمْ يذكر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أُريه، ولا أخبر أن مُلك أمته يبلغه. انتهى (٣).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة، وقد وقعت كلها بحمد الله، كما أخبر به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال العلماء: المراد بالكنزين: الذهب، والفضة، والمراد كنزي كسري، وقيصر، ملكي العراق، والشام، وفيه إشارة إلى أن مُلك هذا، الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال، فقليل بالنسبة إلى المشوق والمغرب، وصلوات الله


(١) "المفهم" ٧/ ٢١٦.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٤١٣.
(٣) "المفهم" ٧/ ٢١٧.