للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسلامه على رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]. انتهى (١).

(وَأُعْطِيتُ) بالبناء للمفعول؛ أي: أعطاني الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (الْكَنْزَيْنِ)، وقوله: (الأَحْمَرَ، وَالأَبْيَضَ) بدلان مما قبلهما؛ أي: كنز الذهب والفضة، قال التوربشتيّ: يريد بالأحمر والأبيض: خزائن كسرى وقيصر، وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير، والغالب على نقود ممالك قيصر الدراهم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "أعطيت الكنزين" يعني به: كنز كسرى، وهو مَلِك الفرس، ومُلك قيصر، وهو مَلِك الروم، وقصورهما: بلادهما، وقد دلّ على ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الآخر حين أخبر عن هلاكهما: "لتُنفَقَنّ كنوزهما في سبيل الله"، رواه مسلم، وعبّر بالأحمر عن كنز قيصر؛ لأنَّ الغالب عندهم كان الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأنَّ الغالب كان عندهم الفضّة، والجوهر، وقد ظهر ذلك، ووُجد كذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر - رضي الله عنه -، فإنَّه سيق إليه تاج كسرى، وحِلْيته، وما كان في بيوت أمواله، وجميع ما حَوَته مملكته على سعتها، وعظمتها، وكذلك فعل الله بقيصر، لمّا فُتحت بلاده. انتهى (٢).

(وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكهَا بِسَنَةٍ عَامّةٍ)، أي: بقحط شائع لجميع بلاد المسلمين، قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: السنة: القحط والجدب، وهي من الأسماء الغالبة، ووقع في نسخة: "بعامّة" بزيادة الباء.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "بسنة بعامة" كذا صحت الرواية بالباء في "بعامة"، وكأنها زائدة، لأنَّ "عامة" صفة لـ "سنة"، فكأنه قال: بسنة عامة، ويعني بالسنة: الجدب العامّ الذي يكون به الهلاك العام، ويُسمّى الجدبُ والقحط سنةً، ويُجمع على سنين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ١٣٠]، أي: بالجدب المتوالي. انتهى (٣).

(وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا) وهم الكفار، وقوله: (مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ)


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٣.
(٢) "المفهم" ٧/ ٢١٧.
(٣) "المفهم" ٧/ ٢١٧.