للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صفة "عدوًّا"؛ أي: كائنًا من سوى أنفسهم، وإنما قيّده بهذا القيد لِمَا سأل أَوّلًا ذلك، فمُنِع على ما يأتي في الحديث التالي. (فَيَسْتبِيحَ)؛ أي: العدوّ، وهو مما يستوي فيه الجمع والمفرد، (بَيْضَتَهُمْ)؛ أي: يستأصل مُجتمعهم، وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أراد بالبيضة؛ أي: مجتمعهم، وموضع سلطانهم، ومُستقرّ دعوتهم، وبيضة الدار: وسطها ومعظمها، أراد: عدوًّا يستأصلهم، ويُهلكهم جميعهم، وقيل: أراد: إذا هلك أصل البيضة كان هلاك كلها من طعم أو فرخ، وإذا لَمْ يهلك أصل البيضة ربما سلم بعض فراخها، والنفي منصبّ علم السبب والمسبَّب معًا، فيُفهم منه أنه قد يُسلط عليهم عدوّ، لكن لا يستأصل شأفتهم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: بيضة المسلمين: معظمهم، وجماعتهم، وفي "الصحاح": بيضة كلّ شيء: حَوْزته، وبيضة القوم: ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى، الحديث: أن الله تعالى لا يسلط العدوّ على كافّة المسلمين، حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض، ولو اجتمع عليهم كلّ مَن بين أقطار الأرض، وهي: جوانبها. انتهى (٢).

(وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً)؛ أي: حكمت حكمًا، مُبْرَمًا (فَإنَّهُ لَا يُرَدُّ)؛ أي: بشيء، بخلاف الحكم المعلق بشرط وجود شيء أو عدمه كما حُقق في باب الدعاء (٣).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "إذا قضيت قضاء لا يرد" يُستفاد منه أنه لا يستجاب من الدعاء إلَّا ما وافقه القضاء، وحينئذ يُشكل ما قد رُوي عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا يردّ القضاء إلَّا الدعاء"، ويرتفع الإشكال بأن يقال: إن القضاء الذي لا، يردّه دعاء، ولا غيره، هو الذي سبق عِلم الله بأنه لا بُدّ من وقوعه، والقضاء الذي يردّه الدعاء، أو صلة الرحم، هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ الذي قال الله تعالى فيه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٦٣٧.
(٢) "المفهم" ٧/ ٢١٨.
(٣) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٤١٣.