للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩]، وقد تقدّم ذلك في "كتاب القدر". انتهى (١).

(وَإنِّي أَعْطَيْتُكَ)؛ أي: عهدي وميثاقي، (لأُمَّتِكَ)؛ أي: لأجل أمة إجابتك، (أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ)؛ أي: بحيث يعمهم القحط، ويهلكهم بالكلية، قال الطيبيّ: اللام في "لأمتك" هي التي في قوله سابقًا: "سألت ربي لأمتي"؛ أي: أعطيت سؤالك لدعائك لأمتك، والكاف هو المفعول الأول، وقوله: "أن لا أهلكهم" هو المفعول الثاني، كما هو في قوله: "سألت ربي أن لا يهلكها" هو المفعول الثاني (٢). (وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ)؛ أي: الذين هم (بِأَقْطَارِهَا)؛ أي: بأطرافها، جمع قُطر، وهو الجانب والناحية، والمعنى: فلا يستبيح عدوّ من الكفار بيضتهم، ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم، وجواب "لو" ما يدلُّ عليه قوله: "وأن لا أسلط".

وقوله: (أَوْ قَالَ) "أو" للشكّ من الراوي، (مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا)؛ أي: نواحي الأرض، (حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي) كَيَرْمي بالرفع عطف على "يهلك"؛ أي: ويأسر (بَعْضُهُمْ) بوضع الظاهر موضع المضمر، (بَعْضًا") آخر، قال القاري: وفي نسخة بالنصب؛ أي: بنصب "يسبي" على أن يكون عطفًا على "يكون".

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا"، ظاهر "حتى": الغاية، فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يسلّط عليهم عدوّهم، فيستبيحهم، إلَّا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسَبْي بعضهم لبعض، وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرّقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدوّ، فقويت شوكة العدوّ، واستولى، كما شاهدناه في أزماننا هذه في المشرق والمغرب، وذلك أنه لمّا اختلف ملوك الشرق، وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق المعجم، ولمّا اختلف ملوك المغرب، وتجادلوا استولت الإفرنج على جميع بلاد الأندلس، والجزر القريبة


(١) "المفهم" ٧/ ٢١٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٦٣٧.