للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا)؛ أي: من الدعاء، (فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا)؛ أي: ثلاث خصال، وقال القاري: أي: من المسؤولات، أو ثلاث مرّات، (فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ) وقوله: (وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً) زيادة توضيح، ثمّ الخصال المسؤولة فقال: (سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ)؛ أي: بالقحط العام؛ يعني: أنه لا يُهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط، فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام، فللَّه الحمد والشكر على جميع نعمه (١). (فَأَعْطَانِيهَا)؛ أي: الخصلة المسؤولة، (وَسأَلْتُهُ أنْ لا يُهْلِك أُمَّتِي بِالغَرَقِ) بفتحتين، وفي نسخة بسكون الراء؛ أي: بالغرق العامّ، كقوم فرعون في اليمّ، وقوم نوح بالطوفان.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق يعني: أن لا يهلك جميعهم بطوفان كطوفان نوح؛ حتى يُغرق جميعهم، وهذا فيه بُعدٌ، ولعل هذا اللفظ كان بالعدوّ، فتصحّف على بعض الرواة؛ لقرب ما بينهما في اللفظ، ويدلّ على صحة ذلك أن هذا الحديث قد رواه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبّاب بن الأرَتِّ، وثوبان، وغيرهما، وكلهم قال بدل: "الغرق"المذكور في هذا الحديث: "عدوًّا من غير أنفسهم"، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: دعواه التصحيف المذكور فيه نظر لا يخفي، فتأمله، والله تعالى أعلم.

(فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ)؛ أي: حربهم الشديد (بَيْنَهُمْ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: البأس: الحروب والفتن، وأصله من بئس يبأس: إذا أصابه البؤس، وهو الضرّ، ويقال: بأسًا؛ أي: ضرًّا، (فَمَنَعَنِيهَا") بل جعل الله تعالى بأسهم بينهم، حتى كان بعضهم يُهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا، وهذا أمر قضاه الله تعالى، ولا مردّ لأمر قضاه الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: ٤]، والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٤.
(٢) "المفهم" ٧/ ٢١٩.