(عَنْ حُذَيْفَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: قَامَ)؛ أي: خطيبًا وواعظًا، (فِينَا)؛ أي: فيما بيننا، أو لأجل أن يعظنا، ويخبرنا بما سيظهر من الفتن؛ لنكون على حذر منها في كل زمن. (رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وقوله:(مَقَامًا) يَحْتَمِل أن يكون مصدرًا ميميًا لـ "قام"، أو ظرف مكان، أو زمان. (مَا تَرَكَ شَيْئًا)؛ أي: مما يتعلق بأمر الدين، مما لا بدّ منه (١). (يَكُونُ) بمعنى يوجد، صفة "شيئًا"، (فِي مَقَامِهِ) متعلق بـ "ترك"، وقوله:(ذَلِكَ) صفة "مقامه"، أو بدل منه، إشارة إلى زمانه. (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) غاية لـ "يكونُ"، والمعنى: قام مقامًا، فما ترك شيئًا يحدُث فيه، وينبغي أن يُخبر بما يظهر من الفتن من ذلك الوقت إلى قيام الساعة (إِلَّا حَدَّثَ بِهِ)؛ أي: أخبر بذلك الشيء الكائن.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا المجرور الذي هو "في مقامه" يجوز أن يتعلّق بـ "تَرَكَ"، والأليق أن يكون متعلّقًا بـ "حَدَّثَ"؛ لأنَّ الظاهر من الكلام أنه أراد أنه ما ترك شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلَّا حدّث به في ذلك المقام، وهذا المقام المذكور في هذا الحديث هو اليوم الذي أخبر عنه أبو زيد عمرو بن أخطب - رضي الله عنه - المذكور بعدُ، وبالحريّ يتسع يوم للإخبار عمّا ذكره، على أنه قد رَوَى الترمذيّ من حديىث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال:"صلّى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العصر بنهار، ثم قام خطيبًا، فلم يدع شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلَّا أخبرنا به، حَفِظه مَن حَفِظه، ونسيه من نسيه"، فظاهر هذا أن هذا المقام كان من بعد العصر، لا قبل ذلك"، ويجوز أن يكون كانت الخطبة من بعد صلاة الصّبح إلى غروب الشمس، كما في حديث أبي زيد، واقتصر أبو سعيد في الذكر على ما بعد العصر، وفيه بُعْدٌ، وعلى كل تقدير فعمومات هذه الأحاديث يراد بها الخصوص؛ إذ لا يمكن أن يُحَدِّث في يوم واحد، بل ولا في أيام، ولا في أعوام بجميع ما يَحْدُث بعد النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تفصيلًا، وإنما مقصود هذه العمومات الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها، كما قال حذيفة - رضي الله عنه -: "لكن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وهو يحدّث مجلسًا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"،