على هذا قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية [الجن: ٢٦، ٢٧]؛ أي: ليكون معجزة له.
فكل ما ورد عنه من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلَّا من إعلام الله تعالى له به إعلامًا على ثبوت نبوّته، ودليلًا على صدق رسالته، قال عليّ القاري - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح الفقه الأكبر": إن الأنبياء لَمْ يعلموا المغيّبات من الأشياء إلَّا ما أعلمهم الله أحيانًا، وذكر الحنفية تصريحًا بالتكفير باعتقاد أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم الغيب؛ لمعارضة قوله تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} الآية [النمل: ٦٥]، كذا في "المسائرة"، وقال بعض الأعلام في إبطال الباطل من ضروريات الدين: إن علم الغيب مخصوص بالله تعالى، والمنصوص في ذلك كثيرة، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية [الأنعام: ٥٩]، و {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} الآية [لقمان: ٣٤]، فلا يصح لغير الله تعالى أن يقال له: إنه يعلم الغيب، ولهذا لمّا قالت جارية عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تغني في العرس:
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
أنكر ذلك عليها، وقال:"دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين"، رواه البخاريّ.
وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد: إنه يعلم الغيب.
نَعَم الإخبار بالغيب بتعليم من الله تعالى جائز، وطريق هذا التعليم إما الوحي، أو الإلهام عند من يجعله طريقًا إلى علم الغيب. انتهى.
وفي "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" من كتب الحنفيّة: لو تزوج رجل بشهادة الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينعقد النِّكَاح، ويكفر؛ لاعتقاده أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم الغيب. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّلَ الكتاب قال: