للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبادة المال الصدقةَ، ومن عبادة الأقوال الأمرَ بالمعروف. انتهى (١).

(فَقَالَ عُمَرُ) - رضي الله عنه -: (لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ) الفتنة (الَّتِي تَمُوجُ كمَوْجِ الْبَحْرِ)؛ أي: تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكَنَى بذلك عن شدّة المخاصمة، وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة، والمقاتلة. (قَالَ) حذيفة: (فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) وفي رواية البخاريّ: "يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها"، (إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا)؛ أي: لا يخرج منها شيء في حياتك، قال ابن الْمُنيِّر: آثر حذيفة الحرص على حفظ السرّ، ولم يصرّح لعمر بما سأل عنه، وإنما كَنَى عنه كنايةً، وكأنه كان مأذونًا له في مثل ذلك، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أن يكون حذيفة عَلِم أن عمر يُقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل؛ لأنَّ عمر كان يعلم أنه الباب، فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل. انتهى.

قال الحافظ: وفي لفظ طريق رِبْعيّ ما يعكر على ذلك، على ما سأذكره، وكأنه مَثَّل الفتن بدار، ومَثّل حياة عمر بباب لها مغلقٍ، ومَثّل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق، لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء، فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب، فخرج ما في تلك الدار.

(قَالَ) عمر - رضي الله عنه -: (أَفَيُكسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟) ببناء الفعلين للمفعول، (قَالَ) حذيفة: (قُلْتُ: لَا) يُفتح (بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ) عمر: (ذَلِكَ أَحْرَى)؛ أي: أجدر، وأحقّ (أَنْ لَا يُغْلَقَ) بالبناء للمفعول، (أَبَدًا) وفي رواية للبخاريّ: "ذاك أجدر أن لا يُغلق إلى يوم القيامة".

قال ابن بطال - رَحِمَهُ اللهُ - إنما قال عمر ذلك؛ لأنَّ العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح، فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه، حتى يجبر. انتهى.

قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن يكون كَنَى عن المَوت بالفتح، وعن القتل بالكسر، ولهذا قال في رواية رِبْعيّ: "فقال عمر: كسرًا لا أبالك؟ " لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدّمته، فإن فيه: "وحدثته أن ذلك الباب رجل يُقتل،


(١) "الفتح" ٨/ ٢٦٣ - ٢٦٤، "كتاب المناقب" رقم (٣٥٨٦).