للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالله، إِنَّهُ)؛ أي: إن الذي حلفت عليه جازمًا بعدم وقوعه، وَيحْتَمل أن يكون الضمير للشأن؛ أي: إن الأمر والشأن (لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنِيهِ) والظاهر أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبره بذلك صريحًا، وَيحتمل أن يكون فهمًا فهمه من أن مقاتلة المسلمين فيما بينهم لا تقع إلَّا بقتل عثمان، فجزم أن القتال في ذلك الوقت لا يقع، والله تعالى أعلم.

قال جندب: (قُلْتُ) لذلك الرجل: (بئْسَ الْجَلِيسُ لِي)؛ أي: ساء الرجل المُجالِس لي، والمخصوص بالذمّ قوله: (أَنْتَ)، فـ "بئس" من أفعال الذمّ، كما أن "نِعم" من أفعال المدح، وقد بيّنهما ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الخلاصة" حيث قال:

فِعْلَانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ … نِعْمَ وَبِئْسَ رَافِعَانِ اسْمَيْنِ

مُقَارِنَيْ "ألْ" أَو مُضَافَيْنِ لِمَا … قَارَنَهَا لا كـ "نِعْمَ عُقْبَى الْكُرَمَا"

يعني: أنه كان عندك في هذا الموضوع حديث، وسمعتني أحلف على ما يخالفه، فلم تخبرني بذلك الحديث في المرّة الأولى، حتى حلفت مرّتين: وكان المفروض من الجليس الطيب أن يخبر به في أول مرّة (١).

وقوله: (مُنْذُ الْيَوْمِ) متعلّق بـ "الجليس"، ومعناه: في هذا اليوم؛ لأنَّ "منذ" إذا جرّت الحاضر كانت بمعنى "في"، كهذا الحديث، وإذا جرّت الماضي كانت بمعنى "من"، كما في قولك: ما رأيته منذ يوم الجمعة، قال ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الخلاصة":

وَ"مُذْ" وَ"مُنْذُ" اسمَانِ حَيْثُ رَفَعَا … أَوأُوليَا الْفِعْلَ كـ "جِئْتُ مُذْ دَعَا"

وَأنْ يَجُرَّ فِي مُضِيٍّ فَكَـ "مِنْ". . . هُمَا وَفِي الْحُضُورِ مَعْنَى "فِي" اسْتَبِنْ

(تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقع في جميع نُسخ بلادنا المعتمدة: "أخالفك" بالخاء المعجمة، وقال القاضي: رواية شيوخنا كافّة بالحاء المهملة، من الْحَلِف الذي هو اليمين، قال: ورواه بعضهم بالمعجمة، وكلاهما صحيح، قال: لكن المهملة أظهر؛ لتكرر الإيمان بينهما. انتهى (٢).

(وَقَدْ سَمِعْتَهُ)؛ أي: الذي قلته من عدم وقوع القتال اليوم، (مِنْ


(١) "تكملة فتح الملهم" ٦/ ٢٨٧.
(٢) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٨.