للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَقُولُ: "تَقُومُ السَّاعَةُ، وَالرُّومُ أَكثَرُ النَّاسِ) لعل المراد من الروم النصارى؛ لأن أهل الروم يومئذ نصاري، وقد تحقّق ذلك باتساع دينهم في الآفاق، ويكثرون بقرب يوم القيامة، قال القاضي عياض: هذا الحديث ظهر صدقه، فإنهم اليوم أكثر مَن في العالم، إلَّا من يأجوج ومأجوج، فإنهم عَمَروا من الشام إلى منقطع أرض الأندلس، واتسع دين النصرانيّة اتساعًا لَمْ تتسعه أمة، وكل ذلك بقضاء الله تعالى وقدره. انتهى (١).

(فَقَالَ لَهُ)؛ أي: للمستورد - رضي الله عنه -: (عَمْرٌو)؛ أي: ابن العاص - رضي الله عنه -، (أَبْصِرْ) بقطع الهمزة أمْر من الإبصار؛ أي: تيقّن (مَا تَقُولُ)؛ أي: تَذْكره من الحديث. (قَالَ) المستورد: (أَقولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: لست أقوله من عندي، وإنما هو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته منه. (قَالَ) عمرو: والله (لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ) الذي قلته فيهم من أن الساعة تقوم، وهم أكثر الناس، فهم أحقّ بذلك؛ لأنَّ عندهم ما يستحقّون به ذلك، وهي الخصال الأربعة، كما بيّنها بقوله: (إِنَّ فِيهِمْ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها في جملة تعليليّة، ويَحْتَمِل أن تكون بفتحها بتقدير حرف التعليل؛ أي: لأنَّ فيهم (لَخِصَالًا) بكسر الخاء المعجمة: جمع خَصْلة، بفتح، فسكون، قال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -: الْخَصْلة: الْخَلَّةُ، والفضيلة، والرّذِيلة، أو قد غلب على الفضيلة. انتهى (٢)، والمراد هنا: الفضيلة. (أَرْبَعًا) محمودة، فلذلك كانوا أكثر الناس، قال الأبيّ: وهو مدح لتلك الأوصاف، لا أنَّها مدح لهم من حيث اتّصافهم.

قال الجامع عفا الله عنه: لا معنى لهذا الكلام؛ لأنَّها إذا كانت صفة مدح، فمن اتّصف بها يكون ممدوحًا، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

قال: وَيحْتَمل أنه إنما ذكرها من حيث إنها سبب لكثرتهم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَصْف عبد الله بن عمرو لهم بما وَصَفهم به من تلك، الأوصاف الجميلة إنما كانت غالبة على الروم الذين أدرك هو زمانهم، وأما ما في الوجود منهم اليوم فهم أنحس الخليقة، وأركسهم، وهم موصوفون بنقيض تلك الأوصاف. انتهى (٣).


(١) "شرح الأبيّ" ٧/ ٢٤٦.
(٢) "القاموس المحيط" ص ٣٧٤.
(٣) "المفهم" ٧/ ٢٣٦.