للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ) ظاهر هذا أن الحديث موقوف على ابن مسعود - رضي الله عنه -، لكن سيأتي أنه إنما رواه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث يقول آخر الحديث: "فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني لأعرف أسماءهم … إلخ"، فهو مرفوع، فتنبّه. (حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ)؛ أي: من كثرة المقتولين، وقيل: من كثرة المال، قال القاري: والأول أصحّ، كذا في "الأزهار"، وقيل: حتى يوجد وقت لا يُقسم فيه ميراث؛ لعدم من يعلم الفرائض، وأقول: لعل المعنى أنا يُرفع الشرع، فلا يقسم ميراث أصلًا، أو لا يقسم على وفق الشرع، كما هو مشاهد في زماننا، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: أنه من قلة المال، وكثرة الفقراء، لا يُقسم ميراث بين الورثة، إما لعدم وجود شيء، أو لكثرة الديون المستغرقة، أو لأنَّ أصحاب الأموال تكون ظَلَمة، فيرجع مالهم إلى بيت المال، فلا يبقى لأولادهم نصيب في المال، ويؤيده قوله: (وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ) ببناء الفعل للمجهول؛ أي: ولا يفرح أحد بغنيمة إما؛ لعدم العطاء، أو ظلم الظَّلَمة، إما للغش والخيانة، فلا يتهنأ بها أهل الديانة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن معنى الحديث: أنه لا يُقسم ميراث بين الناس؛ لعدم من يرغب إليه حيث يُقتل الجيش إلَّا قليلًا؛ وكذا لا يُفرح بالغنيمة، لنفس المعنى، فهذا هو الذي يدلّ عليه آخر الحديث، كما سيأتي، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَالَ)؛ أي: أشار ابن مسعود - رضي الله عنه - (بِيَدِهِ هَكَذَا - وَنَحَّاهَا)؛ أي: وجهها (نَحْوَ الشَّأْمِ -)؛ أي: إلى جهة الشام (فَقَالَ: عَدُوٌّ) مبتدأ، سوّغه قصد الإبهام، أو وصفه بمقدّر؛ أي: عظيم، وخبره قوله: (يَجْمَعُونَ) جيشًا، وأسلحة، وَيحْتَمل أن يكون التقدير: هناك عدوّ (لأَهْلِ الْإِسْلَامِ)؛ أي: لمقاتلتهم، ووقع في بعض النُّسخ: "لأهل الشام" بدل "أهل الإسلام"، والمراد بهم المسلمون، (وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ)؛ أي: يستعدّون لهم بالجيش والأسلحة، قال يسير: (قُلْتُ) لابن مسعود: (الرُّومَ) بالنصب على أنه مفعول مقدّم لي (تَعْنِي)؛ أي: أتقصد بقولك: عدوّ يجمعون أهل الروم؟ (قَالَ) ابن


(١) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٥/ ٤٠٣.