بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلةٌ عظيمةٌ في ليلة الأربعاء، بعد العتمة، الثالث من جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين وستمائة، واستمرّت إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرّة، تُرَى في صورة البلد العظيم، عليها سور محيط، عليه شراريف، وأبراج، ومآذن، وتُرَى رجال يقودونها، لا تمرّ على جبل إلا دكّته، وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك، مثل النهر أحمر، وأزرق، له دويّ كدويّ الرعد، يأخذ الصخور بين يديه، وينتهى إلى محط الركب العراقيّ، واجتمع من ذلك ردمٌ صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء، من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة، ومن جبال بصرى.
وقال النوويّ: تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام.
وقال أبو شامة في "ذيل الروضتين": وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كُتُب من المدينة الشريفة، فيها شرح أمر عظيم حدَث بها، فيه تصديق لِمَا في "الصحيحين"، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكُتُب، فمن الكتب، فذكر نحو ما تقدم.
ومن ذلك أن في بعض الكتب: ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقيّ المدية نار عظيمة، بينها وبين المدينة نصف يوم، انفجرت من الأرض، وسال منها واد من نار، حتى حاذى جبل أُحد.
وفي كتاب آخر: انبجست الأرض من الحرّة بنار عظيمة، يكون قدرها مثل مسجد المدينة، وهي برأي العين من المدينة، وسال منها وأدٍ يكون مقداره أربع فراسخ، وعوضه أربع أميال، يجري على وجه الأرض، ويخرج منه مهاد؛ وجبال صغار.
وفي كتاب آخر: ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة، قالا: ولا أقدر أصف عِظَمها، ولها دويّ، قال أبو شامة: ونظم الناس في هذا أشعارًا، ودام أمرها أشهرًا، ثم خَمَدت، والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب، هي التي ظهرت بنواحي المدينة، كما فهمه القرطبيّ وغيره، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى.