وكلهم تقدّموا غير مرّة. و"عفّان" هو: ابن مسلم الصفّار. و"عبد الوارث" هو: ابن سعيد التَّنُّوريّ البصريّ، ومن لطائفه أنه مسلسلٌ بالبصريين.
شرح الحديث:
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي اللَّه عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ)؛ أي: طافئة عينه بالهمز، مطموسة لا ضوء فيها، (مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ"، ثُمَّ تَهَجَّاهَا)؛ أي: قرأه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مفكّكًا كما قال: (ك ف ر، "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ") وفي رواية: "يقرؤه كل مؤمن كاتب، وغير كاتب" وهذا إخبار بالحقيقة، وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه اللَّه للعبد كيف شاء، ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بغير بصره، وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر، ولو كان يعرف الكتابة، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته، ولا يراها الكافر، فيخلق اللَّه المؤمن الإدراك دون تعلّم؛ لأن ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك.
ويَحْتَمِل قوله:"يقرؤه من كَرِه عمله" أن يراد به المؤمنون عمومًا، ويَحْتَمِل أن يختص ببعضهم ممن قوي إيمانه، وقال النوويّ: الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة، جعلها اللَّه علامة قاطعة بكذب الدجال، فيُظهر اللَّه المؤمنَ عليها، ويُخفيها على من أراد شقاوته. وحَكَى عياض خلافًا، وأن بعضهم قال: هي مجاز عن سمة الحدوث عليه، وهو مذهب ضعيف، ولا يلزم من قوله:"يقرؤه كل مؤمن كاتب، وغير كاتب" أن لا تكون الكتابة حقيقة، بل يُقَدِّر اللَّه على غير الكاتب علم الإدراك، فيقرأ ذلك، وإن لم يكن سَبَق له معرفة الكتابة، وكأن السر اللطيف في أن الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك لمناسبة أن كونه أعور يدركه كل من رآه، واللَّه تعالى أعلم.
والحديث متّفقٌ عليه، وسبق البحث فيه مستوفى، وللَّه الحمد.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أوّلَ الكتاب قال: