للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صفحة نحاس، فلا يستطيع؛ أي: الدجال إليه؛ أي: إلى قتله، ولا يقدر على حصول مضرته سبيلًا، تمييز؛ أي: طريقًا من التعرض (١).

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فَيَأْخُذُ)؛ أي: الدجال (بِيَدَيْهِ) الرجل (وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ)؛ أي: يرمي به في الهواء، (فَيَحْسِبُ) بكسر السين، وفتحها: أي: فيظنّ (النَّاسُ، أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ") قال القاري: قوله: "إنما قذفه إلى النار" في تأويل المصدر؛ أي: قذفه إليها، والأظهر ما اختاره الزمخشريّ من أن "أنما" بالفتح تفيد الحصر أيضًا، كما اجتمعا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: ١٠٨]، ويؤيده قوله: "وإنما ألقي" بصيغة المجهول؛ أي: أُوقع في الجنة، واللام للعهد؛ أي: في بستان من بساتين الدنيا، ويمكن أن يرميه في النار التي معه، ويجعلها اللَّه عليه جنةً، كما جعلها اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بردًا وسلامًا على إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتصير تلك النار روضة وجنّة، وعلى كل تقدير، فلم يحصل له موت على يده، سوى ما تقدم. انتهى (٢).

قال أبو سعيد -رضي اللَّه عنه-: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَذَا): أي: الرجل المؤمن الذي عذّبه الدجال، وألقاه أخيرًا في ناره، (أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً) منصوب على التمييز، (عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ") ظرف لـ "شهادةً".

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما قول الراوي: "فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين" فالمراد بها قَتْله الأول، فتأمل، فإنه موضع الزلل، والخطل، والوجل، كما وقع فيه الطيبيّ -رضي اللَّه عنه- بقوله: "فيحسب الناس أن الدجال قذفه فيما يزعم أنه ناره، وإنما ألقي في الجنة، وهي دار البقاء يدل عليه قوله: "هذا أعظم الناس شهادة ونحوه قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية [آل عمران: ١٦٩، ١٧٠]؛ أي: يسرحون في ثمار الجنة.

قال القاري: أقول: فهذا مناقض لقوله: "إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس اللَّهُمَّ إلا أن يقال: المراد بقوله: "لا يفعل بعدي"؛ أي: بعد قتلي ثانيًا بأحد من الناس؛ أي: غيري، ولا يخفى بُعده، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "مرقاة المفاتيح" ١٦/ ٧.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ١٦/ ٧.