وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "يشبح" بشين معجمة، ثم باء موحّدة، وحاء مهملة، وكذا "شَبِّحوه"؛ أي: مُدُّوه على بطنه، وجاء أيضًا:"شُجّوه" بجيم مشددة، من الشج، وهو الجرح في الرأس، ثم قال: وهذه الرواية أصحّ عندنا، وقوله:"فيؤشر" الرواية فيه بالهمزة، و"المئشار" بهمز بعد الميم، وهو الأفصح، ويجوز تخفيف الهمز فيهما، فتُجعل في الأول واوًا، وفي الثاني ياء، ويجوز المنشار، بالنون، وعلى هذا يقال: نشرت الخشبة، و"مفرقه" بكسر الراء: وسطه، يعني وسط فرقه، أو وسط رأسه. انتهى (١).
(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ثُمَّ يَمْشِي) وفي نسخة: "ثم يمرّ"(الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ)؛ أي: الشقتين من الرجل؛ تخييلًا لتحقيق القتل، (ثُمَّ يَقُولُ) الدجّال (لَهُ)؛ أي: للرجل المقطوع قطعتين: (قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا)؛ أي: يقوم بشرًا سويًّا، ما به شيء من آثار القطع. (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ثُمَّ يَقُولُ لَهُ) الدجال: (أَتُؤْمِنُ بِي؟)؛ أي: بعد أن رأيت ما فعلته فيك من الخوارق، (فَيَقُولُ) الرجل: (مَا) نافية، (ازْدَدْتُ فِيكَ) ما زدت في معرفتك بفعلك هذا من القتل، والإحياء (إِلَّا بَصِيرَةً)؛ أي: زيادة علم ويقين بأنك كاذب مموِّه. (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ثُمَّ يَقُولُ) الرجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ)؛ أي: الدجال، (لَا يَفْعَلُ) بالبناء للفاعل؛ أي: الدجّال، ويَحْتَمِل أن يكون بالبناء للمفعول، وضمير "إنه" على هذا للشأن. (بَعْدِي) أي: بعدما فعل بي هذا الذي رأيتموه، (بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ) وفيه إخبار عن سلب القدرة الاستدراجية عنه، وتسليةٌ للناس في الخوف منه. (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فَيَأْخُذُهُ)؛ أي: الرجلَ (الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ) مرّة أخرى، (فَيُجْعَلَ) بالبناء للمفعول، (مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ) بفتح التاء، وسكون الراء، وضم القاف، وفتح الواو: العظم الذي بين ثَغْرة النحر والعاتق.
وقوله:(نُحَاسًا) مفعول ثان لـ "يُجعل"، والأول "ما" الموصولة؛ أي: يكون كالنحاس، لا يعمل فيه السيف، كما قال:(فَلَا يَسْتَطِيعُ) الدجال (إِلَيْهِ)؛ أي: إلى ذبح ذلك الرجل (سَبِيلًا)؛ أي: طريقًا يوصله إلى مراده.
قال القاري: وفي "شرح السُّنَّة": قال معمر: بلغني أنه يُجعل على حلقه