للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ)؛ أي: عن شؤونه، وفتنه، ومحنه، ثم بيّن كيفية تحديثه له، فقال: (حَدَّثَنِي أَنَّهُ)؛ أي: تميمًا، (رَكِبَ) بكسرٍ الكاف، (فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ)؛ أي: كبيرة، لا زورق نهري، (مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُالًا مِنْ لَخْمٍ) بفتح اللام، وسكون الخاء المعجمة مصروفٌ، وقد لا يصرف، قبيل معروفة، وكذا قوله: (وَجُذَامَ) بالجيم المضمومة.

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فهذا كما في حديث: "ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وفيه إشعاو بأن كثرة الرواة لها دخل في قوة الإسناد، ولهذا قال على سبيل الاستشهاد، وطريق الاعتضاد: "حدّثني"، فهو من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر، وفيه إيماء إلى الردّ على الجاهل المكابر، حيث يتكبر عن أخذ العلم من أهل الخمول والأصاغر، وقد قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وقيل: كلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقّ بها، ومما يحكى من كلام عليّ -رضي اللَّه عنه-: انظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال، وللَّه درّ من قال في هذا المعنى، وأجاد في المقال [من الرجز]:

وَأَكْرِمِ الأُسْتَاذَ ذَا الإِرْشَادِ … فَإِنَّهُ أَبٌ لِكُلِّ شَادِي

وَاخْدُمْ لَهُ فَالاقْتِبَاسُ رِقُّ … وَإِنْ تَكُنْ كَالتَّبْرِ فَهوَ الْوَرْقُ

وَاسْتَفْتِهِ وَإِنْ يَكُنْ بَقَّالَا … وَانْظُرْ إِلَى الْمَقَالِ لَا مَنْ قَالَا

والمعنى: أن تميمًا حكى لي أنه وكب في سفينة بحرية؛ أي: لا برّية؛ احترازًا عن الإبل، فإنها تسمى سفينة البرّ، وقيل: أي مركبًا كبيرًا بحريًّا، لا زَوْرقًا صغيرًا نهريًّا (١).

(فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ)؛ أي: دار بهم الموج (شَهْرًا)؛ أي: مقدار شهر، (فِي الْبَحْرِ) واللعب في الأصل: ما لا فائدة فيه من فعل، أو قول، فاستعير هنا لصدّ الأمواج السفنَ عن صوب المقصد، وتحويلها يمينًا وشمالًا. (ثُمَّ أَرْفَؤوا) بهمزتين؛ أي: قرّبوا السفينة، قال الأصمعيّ: أوفأت السفينة أُوفئها إرفاءً، وبعضهم يقول: أُرفيها بالياء على الإبدال، وهذا مَرْفأ السفن؛ أي: الموضع


(١) "مرقاة المفاتيح" ١٦/ ١٧ بزيادة الأبيات.