للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما بين ركبتيه إلى كعبيه" لمّا كان ظاهره أن يؤتى بالواو في أوله؛ ليكون المعنى: ومجموعة ساقاه عليه، ويكون قوله: "بالحديد" قيدًا لهما، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "ما" موصولة مرفوعة المحل، والمعنى: مجموعة ساقاه بالحديد، وحذف "مجموعة" في الثاني؛ لدلالة الأُولى عليها (١).

(قُلْنَا: وَيْلَكَ)؛ أي: ألزمك اللَّه الويل والهلاك، (مَا أَنْتَ؟)؛ أي: أيّ جنس أنت، إنسيّ، أم جنّيّ؟.

قال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما أنت" استغربوه، فأوردوا "ما" مكان "من"، ويمكن أن يكون السؤال عن وصفه وحاله؛ إذ قد علموا أنه رجل، وقد يجيء "ما" بمعنى "من" كما حقِّق في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥)} [الشمس: ٥]، أو روعي مشاكلة ما قبلها. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما أنت؟ " كأنهم لمّا رأوا خلقًا عجيبًا خارجًا عما عهِدوه خفي عليهم حاله، فقالوا: ما أنت مكان من أنت، وكذلك قوله: "ما أنتم"؛ لأنه ما عهد أن إنسانًا يطرق ذلك المكان، نظيره في حديث أم زرع: "زوجي أبو زرع، وما أبو أبو زرع؟ ". انتهى (٣).

(قَالَ) الرجل: (قَدْ قَدَرْتُمْ)؛ أي: تمكنتم (عَلَى خَبَرِي)؛ أي: فإني لا أخفيه عنكم، فأحدثكم عن حالي، (فَأَخْبِرُونِي)؛ أي: عن حالكم، وما أسأله عنكم أوّلًا، وهذا معنى قوله: (مَا أَنْتُمْ؟) حيث لم يقل: من أنتم، ويمكن أن يكون طباقًا لقولهم، وجزاء لفعلهم، وقال ابن الملك: أي من أنتم؟ أو ما حالكم؟ (قَالُوا) فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، ويمكن أن يكون التقدير: قال بعضنا، ففيه تغليب للغائبين على الحاضرين. (نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ)؛ أي: هاج، وجاوز حده المعتاد، وقال الكسائيّ: الاغتلام أن يتجاوز الإنسان ما حُدّ له من الخير والمباح.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٤٦٣ - ٣٤٦٤.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ١٦/ ٢١.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٤٦٤.