للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال التوربشتيّ - رحمه الله -: لمّا وافق هذا القول ما كان حدّثهم به، أعجبه ذلك، وسُرّ به، فقال: ("أَلَا)؛ أي: انتبهوا، (هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ " أي: مثل هذا الحديث، (فَقَالَ النَّاسُ) الحاضرون لخطابه - صلى الله عليه وسلم -: (نَعَمْ)؛ أي: حدّثتنا بذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: ("فَإنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيم أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا)؛ أي: انتبهوا، (إِنَّهُ)؛ أي: الدجال، (فِي بَحْرِ الشَّامِ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ) قيل: لما حدّثهم بقول تميم الداريّ لم يَرَ أن يبيّن لهم موطنه. ومجلسه كل التبيين؛ لِمَا رأى في الإلباس من المصلحة، فردّ الأمر فيه إلى، التردد بين كونه في بحر الشام، أو بحر اليمن، ولم تكن العرب يومئذٍ تسافر إلا في هذين البحرين، ويَحْتَمِل أنه أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشاميّ، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليمانيّ والبحر واحد، وهو الممتدّ على أحد جوانب جزيرة العرب، ثم أضرب عن القولين، مع حصول اليقين في أحدهما، فقال: (لَا، بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ)؛ أي: هو، و"ما" زائدة، أو موصولة، بمعنى الذي؛ أي: الجانب الذي هو فيه، قال القاضي - رحمه الله -: لفظة "ما" هنا زائدة صلة للكلام، وليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق، قال، التوربشتيّ - رحمه الله -: ويَحْتَمِل أن يكون خبرًا، أي الذي هو فيه، أو الذي هو يخرج منه. (مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ"، وَأَوْمَأَ) بهمزتين؛ أي: أشار (بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ) قال الأشرف: يمكن أنه كان شاكًّا في موضعه، وكان، في ظنه أنه لا يخلو عن هذه المواضع الثلاثة، فلما ذكر بحر الشام، وبحر اليمن، تيقن له من جهة الوحي، أو غلب على ظنه أنه من قِبَل المشرق، فنفى، الأولين، وأضرب عنهما، وحقق الثالث. انتهى.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "ألا إنه في بحر الشام إلخ" هذا كله كلام ابتدئ على الظن، ثم عرض الشك، أو قصد الإبهام، ثم بقي ذلك كله، وأضرب عنه بالتحقيق، فقال: "لا، بل من قِبَل المشرق"، ثم أكد ذلك بـ "ما" الزائدة، وبالتكرار اللفظيّ، فـ "ما" فيه زائدة، لا نافية، وهذا لا بُعد فيه؛ لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بشر يظن، ويشك، كما يسهو وينسى، إلا أنه لا يتمادى، ولا يُقَرّ، على شيء من ذلك، بل يُرشد إلى التحقيق، ويسلك به سواء الطريق. والحاصل من هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن الدجال المذكور في بحر الشام؛ لأنَّ تميمًا