(إِذَا قَدِمُوا) بكسر الدال، (عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ) قائلين (مَتَى السَّاعَةُ؟)؛ أي: متى تقوم القيامة؟، وإنما كانوا يسألونه عنها؛ لِمَا طَرَق أسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن، فأرادوا أن يعرفوا تعيين وقتها. (فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ) وفي رواية البخاريّ: "فينظر إلى أصغرهم"، وهذه ظاهرها تكرير ذلك، ويؤيد سياق مسلم حديث أنس الآتي:"أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى تقوم الساعة؟ "، قال الحافظ: ولم أقف على اسم هذا بعينه، لكنه يَحتمل أن يفسَّر بذي الخويصرة اليمانيّ الذي بال في المسجد، وسأل متى تقوم الساعة؟ وقال: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولكن جوابه عن السؤال عن الساعة مغاير لجواب هذا، قاله في "الفتح"(١).
(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ) ولفظ البخاريّ: "لا يدركه الهرم"، (قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ") زاد في رواية البخاريّ: "قال هشام: يعني: موتهم"، وفي حديث أنس الآتي:"حتى تقوم الساعة"، قال عياض: حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا يفسِّر حديث أنس، وأن المراد ساعة المخاطَبين، وهو نظير قوله:"أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها، لا يبقى على وجه الأرض، ممن هو عليها الآن أحد"، وقد تقدم بيانه، وأن المراد: انقراض ذلك القرن، وأن من كان في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا مضت مائة سنة من وقت تلك المقالة، لا يبقى منهم أحد، ووقع الأمر كذلك، فإن آخر من بقي ممن رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبو الطفيل عامر بن واثلة - رضي الله عنه -، كما جزم به مسلم وغيره، وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة، وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة، وقيل: كانت وفاته قبل ذلك، فإن كان كذلك فيَحْتَمِل أن يكون تأخر بعده بعض من أدرك ذلك الزمان، وإن لم يثبت أنه رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبه احتجّ جماعة من المحققين على كَذِب من ادَّعَى الصحبة، أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت.
وقال الراغب: الساعة جزء من الزمان، ويعبَّر بها عن القيامة؛ تشبيهًا بذلك؛ لسرعة الحساب، قال الله تعالى:{وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام: ٦٢]، أو لِمَا نبّه عليه بقوله:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}[الأحقاف: ٣٥]،