وأُطلقت الساعة على ثلاثة أشياء: الساعة الكبرى، وهي بعث الناس للمحاسبة، والوسطى، وهي موت أهل القرن الواحد، نحو ما رُوي أنه رأى عبد الله بن أنيس، فقال:"إن يَطُل عمر هذا الغلام، لم يمت حتى تقوم الساعة"، فقيل: إنه آخر من مات من الصحابة، والصغرى موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - عند هبوب الريح:"تخوّفت الساعة"؛ يعني: موته. انتهى.
قال الحافظ: وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم أقف عليه، ولا هو آخر من مات من الصحابة جزمًا.
وقال الداوديّ: هذا الجواب من معاريض الكلام، فإنه لو قال لهم: لا أدري ابتداء، مع ما هم فيه من الجفاء، وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا، فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه، ولو كان تمكّن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد.
وقال ابن الجوزيّ: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بأشياء على سبيل القياس، وهو دليل معمول به، فكأنه لما نزلت عليه الآيات في تقريب الساعة، كقوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل: ١]، وقوله تعالى:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ}[النحل: ٧٧] حَمَل ذلك على أنها لا تزيد على مضي قرن واحد، ومن ثَمَّ قال في الدجال:"إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه"، فجوَّز خروج الدجال في حياته، قال: وفيه وجه آخر، فذكر نحو ما تقدم.
قال الحافظ: والاحتمال الذي أبداه بعيد جدًّا، والذي قبله هو المعتمَد، والفرق بين الخبر عن الساعة، وعن الدجال تعيين المدة في الساعة دونه، والله أعلم.
وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أخرى حدّث بها خواصّ أصحابه تدلّ على أن بين يدي الساعة أمورًا عظامًا، وقد تقدّم كثير منها.
وقال الكرمانيّ: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم؛ أي: دَعُوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى، فإنها لا يعلمها إلا الله، واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم، فهو أَولى لكم؛ لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته؛ لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر. انتهى (١).