للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ مُطَرِّف) بن عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن الشِّخِّير؛ أنه (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ)؛ أي: والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - (يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)}) وفي رواية النسائيّ: "جئت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)} حتى ختمها"، نقوله: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) يعني: شغلكم الإكثار من الدنيا، ومن الالتفات إليها عما هو الأَولى بكم من الاستعداد للآخرة، وهذا الخطاب للجمهور، إذ جنس الإنسان على ذلك مفطور، كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)} [القيامة: ٢٠، ٢١]، وكما قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: ١٤].

وقوله: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢) أي: حتّى أتاكم الموت، فصرتم في المقابر زُوّارًا، ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله من جنّة، أو نار. يقال لمن مات: قد زار قبره. وقيل: أي: ألهاكم التكاثر حتى عددتم الأموات. وقيل: هذا وعيد؛ أي: اشتغلتم بمفاخرة الدنيا، حتى تزوروا القبور، فتروا ما يحلّ بكم من عذاب الله - عز وجل - (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("يَقُولُ ابْنُ آدَمَ) أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا تفسير هذه الآية الكريمة، فبيّن أن المراد بالتكاثر هو التكاثر في الأموال، وللمفسّرين أقوال في معناها، ولكن هذا التفسير هو الصواب المقدّم على غيره؛ لأن الله تعالى جعل بيان كتابه إليه - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

وفي "صحيح البخاريّ" من طريق ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".

قال: وقال لنا أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أُبَيّ، قال: كنا نَرَى هذا من القرآن، حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)}.


(١) "تفسير القرطبيّ" ٢٠/ ١٦٩.