للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ) "ما" الأولى موصولة، و"له" صلتها، و"من ماله" متعلق بالصلة، و"ثلاث" خبرٌ، وإنما أنثه على تأويل المنافع، ذكره الطيبيّ - رحمه الله - (١).

والمعنى: أن الذي يحصل له من ماله ثلاث منافع في الجملة، لكن منفعة واحدة منها حقيقةً باقية، والباقي منها صورية فانية (٢). (مَا أَكَلَ)؛ أي: ما استعمل من جنس المأكولات والمشروبات ففيه تغليب، أو اكتفاء. (فَأَفْنَى)، أي: فأعدمه، (أَوْ لَبِسَ) من الثياب (فَأَبْلَى)؛ أي: فأخلقه، (أَوْ أَعْطَى) في سبيل الله تعالى، وصلة الرحم، وفي وجوه الخير (فَاقْتَنَى) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا في معظم النسخ، ولمعظم الرواة: "فاقتنى"، ومعناه: ادّخره لآخرته؛ أي: ادّخر ثوابه، وفي بعضها: "فأقنى" بحذف التاء، أرضى، والمعنى: فأرضى الله تعالى به، من القنى، بكسر القاف، وبالنون، مقصورًا، وهو الرضا، وهذه رواية ابن ماهان.

وحاصل المعنى: أنه جعله قِنيةً وذخيرة للعقبى، فيناله في ذلك اليوم، كما تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦]، وقال: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ١١٠].

(وَمَا سِوَى ذَلِكَ)؛ أي: وما عدا ما ذُكر، من سائر أنواع المال، من المواشي، والعقار، والخدم، والنقود، والجواهر، ونحو ذلك، أو ما سوى ذلك المذكور من الأوجه الثلاثة، كاقتنائه، وادّخاره بلا صرف، وإنفاقه في وجوه الخير، وإخراج حقوق الله تعالى عنه، وكإنفاقه في المحرّمات، والمكروهات، والاعتداء به على غيره (فَهُوَ)؛ أي: العبد، (ذَاهِبٌ) عنه إلى القبر (وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ")؛ أي: من الورثة، أو غيرهم، بلا فائدة راجعة إليه، مع أن المحاسبة، والمعاقبة عليه، والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رحمه الله -.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٢٨٠.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ١٥/ ٥٨.