للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمر، وهو احتياجهم إلى المال؛ للتوسعة عليهم، فأبوا إلا أن يكون للمهاجرين مثل ذلك، وفي حديث أنس: "فلما قَدِم المال رأوا أن لهم فيه حقًّا"، ويَحْتَمِل أن يكون وعدهم بأن يعطيهم منه إذا حضر، وقد وعد جابرًا بعد هذا أن يعطيه من مال البحرين، فوفّى له أبو بكر - رضي الله عنه - (١).

(فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ)؛ أي: رجع من صلاته، وتوجّه إلى الناس (فَتَعَرَّضُوا لَهُ)؛ أي: سألوه بالإشارة، (فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ) تعجّبًا من حالهم؛ لأنهم ما كانوا يصلّون معه، وإنما يصلّون في مساجدهم، (ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ) بكسر الدال، (بِشَيْءٍ) من المال (مِنَ الْبَحْرَيْنِ"، فَقَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ) قال الأخفش: "أجل" في المعنى مثل "نعم"، لكن "نعم" يحسن أن تقال في جواب الاستفهام، و"أجل" أحسن من نعم في التصديق. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("فَأَبْشِرُوا) بقطع الهمزة، من الإبشار، ويجوز وصلها، أمر، معناه الإخبار بحصول المقصود، (وَأَمِّلُوا) بتشديد الميم، من التأميل؛ أي: تمنّوا، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: أَملْتُهُ أَمَلًا، من باب طَلَب: تَرَقَّبتُه، وأكثر ما يُستعمل الأمل فيما يُستبعد حصوله، قال زهير [من البسيط]:

أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُها … وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ

ومَن عَزَم على السفر إلى بلد بعيد يقول: أَمَلْتُ الوصول، ولا يقول: طَمِعت إلا إذا قَرُب منها، فإن الطمع لا يكون إلا فيما قرب حصوله، والرجاء بين الأمل والطمع، فإن الراجي قد يخاف أن لا يحصل مأمُولُهُ، ولهذا يستعمل بمعنى الخوف، فإذا قوي الخوف استُعمل استعمال الأمل، وعليه بيت زهير، وإلا استُعمل بمعنى الطمع، فأنا آمِلٌ، وهو مَأْمُولٌ على فاعل، ومفعول، وأَمَّلْتُهُ تَأْمِيلا مبالغةً وتكثيرًا، وهو أكثر من استعمال المخفف، ويقال لِمَا في القلب مما يُنال من الخير: أَمَلٌ، ومن الخوف: إيجَاسٌ، ولِمَا لا يكون لصاحبه، ولا عليه: خَطْرٌ، ومن الشر، وما لا خير فيه: وسْوَاسٌ، وتَأَمَّلْتُ الشَّيء: إذا تدبرته، وهو إعادتك النظر فيه مرة بعد أخرى حتى تعرفه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: وعلى هذا فيجوز أن يقرأ: "املوا" بقطع


(١) "الفتح" ٧/ ٤٤٧.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢٢ - ٢٣.