للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الهمزة، والتشديد، وبوصل الهمزة، والتخفيف، من باب طلب، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقوله: (مَا يَسُرُّكُمْ) "ما" موصولة مفعول "أمّلوا"، و"يسرّكم" بفتح أوله، وضم الراء المشدّدة، يقال: سرّه يسرّه سُرورًا بالضمّ، والاسم: السَّرُور بالفتح: إذا أفرحه (١).

(فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: "الفقرَ" منصوب على أنه مفعول مقدم لـ "أخشى"، ولا يجوز رفعه إلا على وجه بعيد، وهو أن يُحذف ضمير المفعول، ويُعامل معاملة الملفوظ، كما قال امرؤ القيس:

فَثَوْبٌ نَسِيتُ وَثَوْبٌ أَجُرُّ

فكأنه قال: فثوب نسيته، وثوب أجرّه، وهي قليلة بعيدة، وفيه ما يدلّ على أن الفقر أقرب للسلامة، والاتساع في الدنيا أقرب للفتنة، فنسأل الله الكفاف، والعفاف. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "ما الفقر أخشى عليكم" بنصب الفقر؛ أي: ما أخشى عليكم الفقر، ويجوز الرفع بتقدير ضمير؛ أي: ما الفقر أخشاه عليكم، والأول هو الراجح، وخَصَّ بعضهم جواز ذلك بالشعر.

وهذه الخشية يَحْتَمِل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستُفتح عليهم، ويحصل لهم الغنى بالمال، وقد ذُكر ذلك في أعلام النبوة، مما أخبر - صلى الله عليه وسلم - بوقوعه قبل أن يقع، فوقع.

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر، فإن الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال، فأَعْلَم - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أنه، وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب، لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد، وأنه لا يخشى عليهم الفقر، كما يخشاه الوالد، ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده، والمراد بالفقر: العهديّ، وهو ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من قلة الشيء، ويَحْتَمِل الجنس، والأول أَولى، ويَحْتَمِل أن يكون أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٤.
(٢) "المفهم" ٧/ ١١٢ - ١١٢.