للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليهما، واستوليتم على غنائمهما، (أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟)؛ أي: أيّ شيء تصنعون، فهل تقومون بأداء الشكر؟، وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا استفهام يشوبه إخبارٌ منه - صلى الله عليه وسلم - عن أمر قبل وقوعه، وقع على نحو ما أخبر عنه، فكان ذلك من أدلة صحة نبوته - صلى الله عليه وسلم -، ورسالته، وكم له - صلى الله عليه وسلم - منها وكم!، معنى: "أيُّ قوم أنتم؟ "؛ أي: على أيّ حال تكونون؟ فكأنه قال: أتبقَون على ما أنتم عليه؟ أو تتغير بكم الحال؟ فـ (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) أحد العشرة المبشّرين بالجنّة - رضي الله عنه -: (نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ) تعالى، قال النوويّ: معناه: نحمده، ونشكره، ونسأله المزيد من فضله، وقال القرطبيّ: أي: نقول قولًا مثل الذي أمرنا الله، وكأن هذا منه إشارة إلى قول الله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣]، وذلك أنه فَهِم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاف عليهم الفتنة، من بَسْط الدنيا عليهم، فأجابه بذلك، فكأنه قال: نستكفي الفتن، والمحن بالله تعالى، ونقول كما أُمرنا، وهذا إخبار منهم عما يقتضيه حالهم في ذلك الوقت، فأخبرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لا يبقون على تلك الحال، وأنها تتغير بهم. وقال بعض الشارحين: لعلّه يكون كما أمرنا الله، وهذا تقدير غلط للرواة، لا يُحتاج إليه مع صحة المعنى الذي أبديناه، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) بسكون الواو، وهي القاطعة، و"غير" بالنصب على إضمار فعل، تقديره: أو تفعلون غير ذلك، ويجوز رفعه على تقدير: أو يكونُ غيرُ ذلك (٢).

(تَتَنَافَسُونَ)؛ أي: تتسابقون إلى أخذ الدنيا، (ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ) بعد الأخذ، (ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ)؛ أي: تتقاطعون، فيُولّي كل واحد منكم دُبُره عن الآخر معرضًا عنه، (ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ)؛ أي: ثم تثبت البغضاء في القلوب، وتتراكم حتى يكون عنها الخلاف، والقتال، والهلاك، كما قد وُجد، كذا قال القرطبيّ - رحمه الله - (٣).

وقال النوويّ: قال العلماء: التنافس إلى الشيء: المسابقة إليه، وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد، وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة


(١) "المفهم" ٧/ ١١٣ - ١١٤.
(٢) "المفهم" ٧/ ١١٤.
(٣) "المفهم" ٧/ ١١٤.