عن صاحبها، والتدابر: التقاطع، وقد بقي مع التدابر شيء من المودّة، أو لا يكون مودّة ولا بغض، وأما التباغض فهو بَعد هذا، ولهذا رُتِّبت في الحديث. انتهى (١).
(أَوْ) تفعلون (نَحْوَ ذَلِكَ) بأن تتقاتلوا، أو تتضاربوا، وتتناهبوا، أو تتغاصبوا إلى غير ذلك.
(ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ)؛ أي: تتوجهون، وتتصرّفون (فِي) شؤون (مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ) وضعفائهم، (فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ")؛ أي: تولّون بعضهم علي بعضهم حتى يذلّوهم، ويظلموهم.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض"، وفي رواية السمرقنديّ: "فتحملون"، قال بعضهم: لعل أصول هذا الكلام: "ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين". قال القاضي: لا أدري ما الذي حمل هذا على تفسير الرواية مع عدم توجيه الكلام على ما قبله، واستقلاله بالمراد، لا سيما مع قوله بعد هذا: "فتحملون بعضهم على رقاب بعض"، والأشبه أن يكون الكلام على وجهه، وأراد أن مساكين المهاجرين، وضَعَفتهم ستُفتح عليهم إذ ذاك الدنيا، حتى يكونوا أمراء بعضهم على رقاب بعض.
قال القرطبيّ: والعجب من إنكار القاضي على هذا المتأوّل، واختياره هذا المعنى الذي لا يقبله مساق الحديث، ولا يشهد له معناه، وذلك أن معنى الحديث: أنه أخبرهم أنهم تتغيّر بهم الحال، وأنهم يصدر عنهم، أو عن بعضهم أحوال غير مرضية، تخالف حالهم التي كانوا عليها معه - صلى الله عليه وسلم - من التنافس، والتباغض، وانطلاقهم في مساكين المهاجرين، فلا بدّ أن يكون هذا الوصف غير مرضيّ كالأوصاف التي قبله، وأن تكون تلك الأوصاف المتقدمة توجبه، وحينئذ يلتئم الكلام أوله وآخره، ولا يصحّ ذلك إلا بذلك التقدير الذي أنكره القاضي، فيكون معنى الحديث أنه إذا وقع التنافس، والتحاسد، والتباغض حَمَلهم ذلك على أن يأخذ القويّ ما أفاءه الله تعالى على المسكين