للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢ - (ومنها): ما قاله الحافظ وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله -: خرج بقوله: "في المال، والْخَلْق" ما إذا نظر لمن فُضل عليه في العلم، والدين، والاجتهاد في العبادة، ومعالجة النفس بدفع الأخلاق السيئة، وجلب الحسنة، فهذا ينبغي النظر فيه إلى الفاضل؛ ليقتدى به دون المفضول؛ لأنه يتكاسل بذلك، بخلاف الأول، فإنه لا ينظر فيه إلى الفاضل؛ لِمَا فيه من احتقار نعمة الله عليه بالنسبة إلى نعمته على ذلك الفاضل في المال والخلق، وإنما ينبغي أن ينظر في هذا إلى المفضول؛ ليعرف قدر نعمة الله عليه، وهذا أدب حسنٌ، أَدَّبنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفيه مصلحة ديننا، ودنيانا، وعقولنا، وأبداننا، وراحة قلوبنا، فجزاه الله عن نصيحته أفضل ما جزى به نبيًّا. انتهى (١).

٣ - (ومنها): ما قاله ابن بطال - رحمه الله -: هذا الحديث جامع لمعاني الخير؛ لأن المرء لا يكون بحال تتعلق بالدِّين من عبادة ربه مجتهدًا فيها إلا وجد من هو فوقه، فمتى طلبت نفسه اللحاق به استقصر حاله، فيكون أبدًا في زيادة، تقربه من ربه، ولا يكون على حال خسيسة من الدنيا إلا وجد من أهلها من هو أخسّ حالًا منه، فإذا تفكّر في ذلك عَلِم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضّل عليه بذلك من غير أمر أوجبه، فيُلزم نفسه الشكر، فيعظم اغتباطه بذلك في معاده.

وقال غيره: في هذا الحديث دواء الداء؛ لأن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه، لم يأمَن أن يؤثر ذلك فيه حسدًا، ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه؛ ليكون ذلك داعيًا إلى الشكر.

وأخرج الترمذيّ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرًا صابرًا، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرًا ولا صابرًا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه، فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله به عليه، كتبه الله شاكرًا صابرًا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه، فأَسِف على ما فاته منه، لم يكتبه الله


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٨/ ١٣٩.