للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السائل بقوله: الحقوق كثيرة. انتهى، والأول أظهر، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا) فيما قلت (فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ) عليه أولًا من القرع والفقر.

(قَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (وَأَتَى) الملَك (الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، وَهَيْئَتِهِ) على التقديرين الماضيين؛ أي: على صورة الملك حين أتاه أول مرّة، أو على صورة الأعمى: كما سبق بيانه. (فَقَالَ) الملَك للأعمى: (رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ)؛ أي: مسافر (انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ)؛ أي: الأسباب التي أستعين بها (فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ)؛ أي: لا مؤونة (لِيَ الْيَوْمَ، إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ) بعد أن كنت أعمى (شَاةً، أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي) إلى مقصدي، (فَقَالَ) الأعمى اعترافًا، وتحدّثًا بنعمة الله: (قَدْ كُنْتُ أَعْمَى، فَرَدَّ اللهُ إِليَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ) من غنمي، (وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لَا أَجْهَدُكَ) بفتح الهمزة، والهاء، ويُروى بضم الهمزة، وكسر الهاء؛ أي: لا أستفرغ طاقتي (الْيَوْمَ شَيْئًا)؛ أي: برّد شيء (أَخَذْتَهُ لله)؛ أي: طلبًا لوجه الله تعالى ومرضاته.

وقال النوويّ: قوله: "لا أجهدك اليوم" هكذا هو في رواية الجمهور: "أجهدك" بالجيم، والهاء، وفي رواية ابن ماهان: "أحمدك" بالحاء والميم، ووقع في البخاريّ بالوجهين، لكن الأشهر في مسلم بالجيم، وفي البخاريّ بالحاء، ومعنى الجيم: لا أشق عليك بردّ شيء، تأخذه، أو تطلبه من مالي، والجهد: المشقة، ومعناه بالحاء: لا أحمدك بترك شيء، تحتاج إليه، أو تريده، فتكون لفظة الترك محذوفة مرادة، كما قال الشاعر:

لَيْسَ عَلَى طَولِ الْحَيَاةِ نَدَمْ

أي: فوات طول الحياة (١).

(فَقَالَ) الملك: (أَمْسِكْ) عليك (مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ) بالبناء للمفعول؛ أي: اختُبرتم أيها الثلاثة: الأبرص، والأقرع، والأعمى؛ يعني: أنَّ الله - عز وجل - اختبركم هل تقومون لأداء شكره، أو تكفرون بنعمه، وتجحدون آلاءه، (فَقَدْ رُضِيَ) بالبناء للمفعول، (عَنْكَ) أيها الأعمى القائم بأداء شُكر ما أولاك الله


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ٩٩ - ١٠٠.