للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رحمه الله -: أما ترأس فبفتح التاء، وإسكان الراء، وبعدها همزة مفتوحة، ومعناه: تصير رئيس القوم، وكبيرهم، وأما تربع، فبفتح التاء، والباء الموحدة، هكذا رواه الجمهور، وفي رواية ابن ماهان: ترتع بمثناة فوق، بعد الراء، ومعناه بالموحدة: تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها، يقال: ربعتهم؛ أي: أخذت ربع أموالهم، ومعناه: ألم أجعلك رئيسًا مطاعًا، وقال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته عندي أن معناه: تركتك مستريحًا، لا تحتاج إلى مشقة، وتعب، من قولهم: اربع على نفسك؛ أي: ارفُق بها، ومعناه بالمثناة: تتنعم، وقيل: تأكل، وقيل: تلهو، وقيل: تعيش في سعة. انتهى (١).

(فَيَقُولُ) ذلك العبد في كلّ سؤال من الأسئلة المذكورة: (بَلَى) يا رب أكرمتني، وسوّدتني، وزوّجتني، وسخّرت لي الخيل والإبل، وجعلتني أرأس، وأربع.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَقُولُ) الربّ - عز وجل - (أَفَظَنَنْتَ)؛ أي: أفعلمت (أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟) بضم الميم، وتشديد الياء المحذوفة العائدة بحذف التنوين، والثانية ياء المتكلم المضاف إليه؛ أي: أظننت أنك تلاقيني في الآخرة لأجازيك على عملك؟ (فَيَقُولُ) العبد: (لَا)؛ أي: لم أظن أني ملاقيك في الآخرة للمجازاة، (فَيَقُولُ) الربّ - سبحانه وتعالى -: (فَإِنِّي أَنْسَاكَ) اليوم (كَمَا نَسِيتَنِي) أنت في الدنيا جزاء وفاقًا.

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "فإنِّي أنساك" مسبَّب عن قوله: "أفظننت أنك ملاقيّ"؛ يعني: سوّدتك، وزوّجتك، وفعلت بك من الإكرام حتى تشكرني، وتلقاني؛ لأزيد في الإنعام، وأجازيك عليه، فلمّا نسيتنا في الشكر، نسيناك، وتركنا جزاءك، وعليه قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} [طه: ١٢٦] قال: ونسبة النسيان إلى الله تعالى إما مُشاكَلة، أو مجاز عن التَّرك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: من المعلوم أن الطيبيّ مؤوّل لأحاديث الصفات، ويدّعي أنها مجاز، وليست حقيقة، وهكذا كثير من الشرّاح


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٥٠٩.