للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المتأخّرين هذا دأبهم، ودينهم تجاه أحاديث الصفات، ونحن نتبرأ من هذا المذهب، ونعتقد مذهب السلف، فنثبت ما أثبته النصّ الصحيح، فنقول هنا: صفة نسيان الله - عز وجل - عبده صفة ثابتة كما أثبتها هذا النصّ الصحيح، فنُثبتها على ظاهرها، على ما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى -، لا نمثّل، ولا نكيّف، ولا نعطّل، ولا نؤوّل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، وقد مضى لي مثل هذا في هذا الشرح غير مرّة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(ثُمَّ يَلْقَى) الربّ جلّ جلاله العبد (الثَّانِيَ)؛ أي: غير الأول، (فَيَقُولُ) له: (أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ والإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ) العبد الثاني: (بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ) الربّ - عز وجل - (أفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ، فَيَقُولُ) العبد: (لَا، فَيَقُولُ) الربّ: (فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى) الله - سبحانه وتعالى - العبد الثَّالِثَ، (فَيَقُولُ) الربّ (لَهُ)؛ أي: لهذا الثالث، (مِثْلَ ذَلِكَ)؛ أي: مثل ما ذكر في الأول والثاني من سؤال الله تعالى له، (فَيَقُولُ) العبد الثالث جوابًا عن السؤال: (يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي) على نفسه (بِخَيْرٍ) من الأعمال الصالحة (مَا اسْتَطَاعَ)؛ أي: يكثر الثناء قدر استطاعته، (فَيَقُولُ) له الربّ - عز وجل -: (هَا هُنَا إِذًا) بالتنوين، قال الطيبيّ - رحمه الله -: "إذا" جواب وجزاء، والتقدير: إذا أثنيت على نفسك بما أثنيت إذا، فاثبُت هنا كي نُريك أعمالك، بإقامة الشاهد عليها، وقال بعضهم: أي: يقول: إذا تُجزى بأعمالك ههنا، وقال ابن الملك: أي: أقر الثالث بظنه لقاء الله تعالى، وعدّ أعماله الصالحة، فيقول: ههنا إذًا؛ أي: قف في هذا الموضع، إذا ذكرت أعمالك، حتى تتحقق خلاف ما زعمت.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (ثُمَّ يُقَالُ لَهُ)؛ أي: لهذا الثالث الذي أثنى على نفسه (الآنَ)؛ أي: في الوقت الحاضر (نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ) العبد المذكور (فِي نَفْسِهِ) قائلًا: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟) من مخلوقات الله تعالى، وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "من ذا الذي يشهد عليّ" حال، تقديره: يتفكّر في نفسه قائلًا: من ذا الذي يشهد عليّ؟ (١).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٥٠٩.