(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَضَحِكَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ ")؛ أي: من أيّ شيء أضحك؟، وفيه إيماء إلى أنه لا ينبغي الضحك إلا لأمر غريب، وحكم عجيب، (قَالَ) أنس: (قُلْنَا) معاشر الصحابة الحاضرين مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين حدّث بهذا الحديث:(اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ)؛ أي: أضحك من أجل مخاطبة العبد ربه - سبحانه وتعالى -، ثم بيّن مخاطبته بقوله:(يَقُولُ) العبد لربه: (يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي) من الإجارة؛ أي: ألم تجعلني في إجارة منك، بقولك:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، والمعنى ألم تؤمِّنِّي (مِنَ الظُّلْمِ؟)؛ أي: من أن تظلمني؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (يَقُولُ) الربّ - سبحانه وتعالى -: (بَلَى) قد آجرتك، وأمّنتك من ظلمي إياك، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَقُولُ) العبد لربه: (فَإِنِّي لَا أُجِيزُ) بضمّ الهمزة، من الإجازة؛ أي: لا أحلّ، ولا أقبل (عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي)؛ أي: من جنسي؛ لأن الملائكة شهدوا علينا بالفساد قبل الإيجاد. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فيَقُولُ) الله - عز وجل -: (كَفَى) وفي نسخة: "فكفى" (بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ)، وقوله:(شَهِيدًا) نُصِب على الحال، و"عليك" معموله تقدم عليه؛ للاهتمام، والاختصاص، والباء زائدة في فاعل "كفى"، و"اليوم" ظرف له، أو لـ "شهيد"، (وَبِالْكِرَامِ)؛ أي: وكفى بالعدول المكرمين (الْكَاتِبِينَ) لصحف الأعمال الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦](شُهُودًا) بالضمّ: جمع شاهد.
قال الطيبيّ - رحمه الله -: فإن قلت: دلّ أداة الحصر على أن لا يشهد عليه غيره، فكيف أجاب بقوله: "كفى بنفسك، وبالكرام الكاتبين"؟.
قلت: بذل له مطلوبه، وزاد عليه تأكيدًا وتقريرًا. انتهى (١).
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيُخْتَمُ) بالبناء للمفعول، (عَلَى فِيهِ)؛ أي: فم العبد المذكور، وهذا معنى قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} [يس: ٦٥]، وفي آية أخرى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} [النور: ٢٤]، وفي رواية أخرى: