للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عن أبي هَانِئٍ) حميد بن هانئ أنه (سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو: عبد الله بن يزيد (الْحُبُلِيَّ) بضمّ الحاء المهملة، والباء الموحّدة: نسبة إلى حيّ من اليمن من الأنصار، يقال لهم: بنو الْحُبلى، قاله في "اللباب" (١).

(يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) - رضي الله عنهما -، قال الطيبيّ - رحمه الله -: لا بُدّ من محذوف، أي: سمعته يقول قولًا، يفسره ما بعده، قال القاري: ويمكن أن يقدَّر مضاف، ويقال: سمعت قول عبد الله بن عمرو. انتهى (٢).

(وَ) الحال أنه قد (سَأَلَهُ رَجُلٌ) لم يُعرف، (فَقَالَ) ذلك السائل: (أَلَسْنَا)؛ أي: نحن وأمثالنا (مِنْ فقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟)؛ أي: من خواصهم الذين يسبقون أغنياءهم.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: قول الرجل لعبد الله بن عمرو: "ألسنا من الفقراء؟ " سؤال تقرير، وكأنه سأل شيئًا من الفيء الذي قال الله تعالى فيه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: ٨]، وكأنّ ذلك الرجل قال: ألسنا من الفقراء الذين يستحقّون من الفيء سهمًا بنصّ القرآن؟ وكأنه أنجز له مع ذلك الالتفات إلى الفقراء المهاجرين، وتبجح به، فأجابه، عبد الله بما يكسر ذلك منه، ويزيل آفة الالتفات إلى الأعمال بما يقتضي أن الأحق باسم الفقراء المهاجرين من كان متجرّدًا عن الأهل والمسكن، كما كان حال أهل الصفّة في أول الأمر، وصار معنى هذا الحديث إلى نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الشديد بالصُّرَعة" (٣)، و"ليس المسكين بالطوّاف" (٤)، فكأنّ عبد الله قال له: ليس الفقير الذي تكون له زوجة، ومسكن، وإنما الفقير المتجرّد عن ذلك، ولم يُرد أن من كان فقيرًا مهاجريًّا، له زوجة ومسكن أنه لا يستحق من الفيء شيئًا؛ لأنَّ صاحب العيال الفقير أشدّ فاقة وبلاءً، ولأنه خلاف ما وقع لهم، فإنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيهم بحسب فاقتهم، وحاجتهم، ويفضّل في العطاء من له عيالٌ على من ليس كذلك، وكذلك فعل الخليفتان


(١) "اللباب في تهذيب الأنساب" ١/ ٣٣٧.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٥/ ١٦٥.
(٣) متّفقٌ عليه.
(٤) متّفقٌ عليه.