للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعده، على ما هو المعلوم من حالهما، وإن حُمل قول عبد الله على ظاهره لزم عليه أن من كان له زوجة ومسكن لا غير ذلك، لم يُعَدّ من الفقراء المهاجرين الذين وصفهم الله تعالى، والذين يسبقون إلى الجنة، فيلزم أن لا يكون أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ من الفقراء من السابقين إلى الجنة، وذلك باطل قطعًا. انتهى (١).

(فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ) بن عمرو: (أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟)؛ أي: تضمها، وتسكن إليها، وتُقْبل عليها، (قَالَ) الرجل: (نَعَمْ) لي زوجة آوي إليها، (قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ) بفتح الميم، والكاف، وتُكسر؛ أي: منزل (تَسْكُنُهُ؟) وتأوي إليه، (قَالَ) الرجل: (نَعَمْ) لي مسكن أسكنه، (قَالَ) عبد الله: (فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ)؛ أي: أغنياء المهاجرين، فإن فقراءهم ما كان لهم امرأة، ولا مسكن، أو إن كان لأحدهم أحدهما، ما كان له الآخر منهما. (قَالَ) الرجل: (فَإِنَّ لِي) زيادة على ما ذكرت (خَادِمًا،) يُطلق على الذكر والأنثى، والخادمة بالهاء للمؤنّث قليل الاستعمال، والجمع خَدَمٌ بفتحتين، وخُدّام بالضم، والتشديد. (قَالَ) عبد الله: (فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ)؛ أي: ولا يصحّ أن يقال لك: الصعلوك، فلست من صعاليك المهاجرين، ولعله اقتبس هذا الكلام من قوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: ٢٠] على ما رواه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} قال: الزوجة، والخادم، وزاد ابن جرير عنه: وكان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة، والخادم، والدار، يسمى مَلِكًا (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "أنت من الملوك" لمّا أخبره أن له خادمًا على جهة الإغياء، والمبالغة، لا أنه ألحقه بالملوك حقيقة، ولا بالأغنياء، ولا سلبه ذلك اسم الفقراء؛ إذ لم يكن له غير ما ذكر، والله تعالى أعلم (٣).

وقوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ)؛ أي: الحبليّ، فهو موصول بالإسناد السابق، وليس معلّقًا. (وَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) بالإضافة، كقوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: ٤٨]، والجملة عطف على قوله: "وسأله رجل"؛ أي: والحال أنه أتى


(١) "المفهم" ٧/ ١٣٢.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ١٥/ ١٦٥.
(٣) "المفهم" ٧/ ١٣٣.