ثلاثة نفر فقراء (إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) - رضي الله عنهما - (وَأَنَا)؛ أي: والحال أني (عِنْدَهُ)؛ أي: عند عبد الله بن عمرو.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "جاء ثلاثة نفر إلخ" هذه قضية أخرى غير القضية المتقدمة، وإن اتّفق راوياهما، فإنَّهما من رواية أبي عبد الرحمن الحبليّ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -؛ لأنَّ هؤلاء ثلاثة، وذلك واحدٌ، ولأن مقصوده من هذا الحديث غير مقصوده من الأول، وذلك أن هؤلاء الثلاثة شكوا إليه شدّة فاقتهم، وأنهم لا شيء لهم، فخيّرهم بين الصبر على ما هم فيه حتى يلقوا الله، فيحصلون على ما وعدهم الله به على لسان نبيّه - صلى الله عليه وسلم - من السبق إلى الجنة قبل الناس كلهم، وبين أن يرفع أمرهم إلى السلطان، فيدفع إليهم ما يغنيهم، وبين أن يواسيهم من ماله، فاختار القوم البقاء على الحالة الأولى، والصبر على مضض الفقر، وشدّته. ويفهم من هذا الحديث أن مذهب عبد الله، وهؤلاء الثلاثة أن الفقر المدقع، والتجرّد عن المكتسبات كلها أفضل، وقد بيّنا آنفًا أن المسألة مسألة خلاف، وأن الكفاف أفضل على ما ذكرناه آنفا. انتهى (١).
(فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كنية عبد الله بن عمرو، (إِنَّا وَاللهِ ما نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، لَا نَفقَةٍ) بيان لـ "شيء"، (وَلَا دَابَّةٍ)؛ أي: لنجاهد عليها، أو نحج بها، (وَلَا مَتَاعٍ)؛ أي: زائد يباع، ويُصرف ثمنه في النفقة، والدابة، (فَقَالَ) عبد الله (لَهُمْ: مَا شِئْتُمْ)"ما" استفهامية؛ أي: أيَّ شيء شئتم؟ ويمكن أن تكون موصولة، مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: ما أردتم من الأمور المعروضة عليكم فعلناه. (إِنْ شِئْتُمْ)؛ أي: أن نعطيكم شيئًا من عندنا (رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا) فإنه لا يحضرنا الآن شيء (فَأَعْطَيْنَاكُمْ)؛ أي: بعد هذا (ما يَسَّرَ اللهُ لَكُمْ)؛ أي: ما سهّله على أيدينا، (وَإِنْ شِئْتُمْ)؛ أي: أن نرفع أمركم إلى الخليفة، أو من يقوم مقامه (ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ)؛ أي: للمتسلِّط على خزانة بيت المال، فيعطيكم ما يوسع عليكم، ويقضي حاجتكم، (وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ)؛ أي: على هذه الحال، فإنه مقام عظيم، وشرف جسيم، ثم بيّن لهم أن هذه الحالة الثالثة،